جوني منصور لأشرعة:روايتنا الفلسطينية لم تكتب بصيغة نهائية لأن القضية لم تنته بعد
دمشق ـ من وحيد تاجا
ما الذي يعنيه يوم الأرض بالنسبة لفلسطيني الـ 48 ..وكيف يتعايش المؤرخ الفلسطيني في الداخل مع المجتمع "الاسرائيلي" .. وما هي اولوياته .. ولماذا لم يستطع حتى الان كتابة رواية تاريخية فلسطينية .. وكيف ينظر إلى اطروحات المؤرخين الصهاينة الجدد .. هذه التساؤلات وغيرها كانت محور لقائنا مع المؤرخ الفلسطيني الدكتور جوني منصور .جوني منصور مواليد حيفا عام 1960، ومقيم فيها مع عائلته. حاصل على درجة الدكتوراة في تاريخ الشرق الأوسط من كلية الاستشراق ـ سانت بترسبرج ـ روسيا . يعمل حاليا محاضرا لموضوع التاريخ في الكلية الأكاديمية في بيت بيرل ـ نائب مدير كلية مار إلياس ـ عبلين(الجليل) . شغل في السابق منصب مدير وحدة بنك المعلومات في مدار ـ المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية. له عدة دراسات ومؤلفات وكتب عن تاريخ فلسطين والمنطقة وحيفا بشكل خاص.
* ـ ونحن لا نزال نعيش في اجواء يوم الارض .. نتساءل ما الذي
يعنيه هذا اليوم بالنسبة لمؤرخ فلسطيني من أهالي 48 .. ؟
- لا شك في ان يوم الأرض شكل منعطفًا كبيرًا في حياة الفلسطينيين في الداخل، إذ ولأول مرة منذ احتلال فلسطين في عام 1948 يعلن الفلسطينيون عن عصيان مدني ضد سياسات حكومات "إسرائيل" تجاههم. فهذه الحكومات اعتبرت الفلسطينيين الباقين على أراضيهم مواطنين تابعين لنظامها، ولكنها تتعامل معهم وفق قوانين وأنظمة تمييزية، هدفها الأساس نهب وسلب المزيد من الأراضي الفلسطينية بذرائع مختلفة. لهذا، انا اعتبر يوم الأرض حاملا أبعادا واسعة تخطت حدود الصمت، ودفعت بالفلسطينيين إلى رفع صوتهم مطالبين بالحقوق وخاصة حق الحياة على الأرض التي يمتلكونها. من جهة أخرى فإن يوم الأرض أحدث تغييرا في المشهد النضالي، إذ لم تعد القضية مقتصرة على مطالب يومية بل دفاعا عن الوجود والبقاء. وباعتقادي أن هذا الحراك بما حمله من رسالة جعل يوم الأرض يوما عربيا وليس فلسطينيا فقط.
* ـ في ذات السياق كيف يتعايش المؤرخ الفلسطيني داخل الكيان الصهيوني .. ما هي المواضيع التي تشغلكم هناك ..هل تعانون من أي مضايقات .. كيف تتعاملون مع أسرلة المجتمع..؟
أولا، نحن نعيش على أرضنا وفي وطننا. ونحن لسنا غرباء عن هذا الوطن. ونحن لسنا ضيوفا فيه، وأيضا نحن لسنا حالة طارئة. نحن أصحاب الأرض ولنا قضية وندافع عنها. القضايا التي تشغلنا كثيرة هي، في مقدمتها المطالب اليومية والتي يحتاج إليها كل إنسان حتى يعيش أسوة بباقي الناس في أي بقعة في العالم. مثلا قضايا المساواة في الميزانيات المحلية ـ في البلديات والمجالس المحلية، مساواة في ميزانيات التربية والتعليم، مساواة في شؤون الرعاية الصحية، الخ.... بمعنى أننا نعاني من سياسات تمييز فاضحة ومكشوفة في مسألة الميزانيات. فمقارنة بين ما تخصصه الحكومة عبر وزاراتها ودوائرها الرسمية للمجتمع اليهودي وما تخصصه للمجتمع الفلسطيني في "إسرائيل" فيه فارق وفجوة كبيرة للغاية، وهذا ينعكس بالتالي على مستوى الخدمات والمعيشة. مسألة أخرى نكافح من أجل تحسين ظروفها وهي توفير فرص العمل، خاصة للأكاديميين، حيث إن سياسات "إسرائيل" تقضي بفرض قيود على عدد من الوظائف الرسمية في القطاع العام على وجه الخصوص بأن يكون المتقدم إليها قد أنهى خدمته العسكرية. هذا الشرط مجحف وغير قانوني بالمرة، ولكنه متبع بطرق مختلفة، وذلك لتفضيل اليهودي أو الذي خدم في العسكرية على الفلسطيني الذي لا يخدم بل يرفض تأدية الخدمة العسكرية في جيش يحتل أرضه وطرد أهله. وبالتالي التضييق على الفلسطيني ودفعه إما إلى البحث عن مجال عمل آخر، أقل من الذي كان يرغب فيه أو مؤهلاته تسمح بها، أو إلى الهجرة من الوطن.
من جهة أخرى يتعرض المجتمع العربي الفلسطيني، وبالرغم من سياسات الفصل العنصري، أي فصل الأحياء العربية عن اليهودية في المدينة الواحدة، أو فصل قرى عربية عن مستوطنات يهودية، يتعرض إلى موجات من الأسرلة عن طريق اختراق اللغة العربية وتشويهها، وفرض اللغة العبرية بدلا من اللغة العربية في الحيزات العامة، أو توجيه برامج ومناهج التعليم لتخدم هذه السياسات... وبدون أدنى شك أنه في وسط توفر عشرات وسائل الإعلام الإسرائيلية الناطقة بالعبرية وقلة الناطقة بالعربية تنجح خطط الاسرلة، وتفوز بفريستها. ولكن بدون شك أن هناك وعيا لدى قطاعات من المثقفين العرب الفلسطينيين لهذه الظاهرة، ويجري العمل على الحد منها، ولكن الأدوات المتوفرة شحيحة، والحاجة ماسة إلى موارد مادية وطاقات بشرية وبرامج لمواجهة مد الآسرلة داخل المجتمع. ولكن بالإجمال استطيع القول إن الوضع مقلق، وليس خطيرا إلى حد كبير إلى الآن، ولكن ما يخبئه المستقبل غير مطمئن.
هناك عدد من الجمعيات الأهلية تعمل على رفع مكانة اللغة العربية، وبعضها يعمل على تثبيت الهوية القومية من خلال سلسلة من الفعاليات الثقافية والأنشطة الجماهيرية، والمحاضرات والنشرات، ولكنها غير كافية إزاء ما تقوم به مؤسسات "إسرائيل" وأذرعها الكثيرة الناشطة بين الفلسطينيين لمنعهم من تبني توجهات قومية ووطنية معارضة لـ " إسرائيل".
* ـ في ذات الاتجاه. استوقفتني رسالتك إلى رئيس جامعة حيفا على اثر طرح إدارة الجامعة شعارًا (لوغو) جديدًا خاليًا من العربية.. حيث استنكرت هذا الحدث وطالبت باستعمال اللغة العربية في كل مرافق الجامعة ..ماذا تحدثنا عن هذا الموقف وكيف كان رد الجامعة ..؟
إن موقع جامعة حيفا الجغرافي في منطقة فيها تجمعات عربية لهو مسألة في غاية الأهمية، حيث ان 35% من طلابها هم من الفلسطينيين، خاصة من منطقة الجليل شمالي فلسطين. ولأن موقعها في حيفا وبلدية المدينة تدعي بالتعايش المستمر بين العرب واليهود، حري بهذه الجامعة أن تبرز اسمها باللغة العربية إلى جانب اللغتين العبرية والانجليزية. ولكن ما جرى هو إزالة الاسم بالعربية والإبقاء على اللغتين العبرية والانجليزية. تمت هذه الخطوة ليس بالصدفة، إنما بعد دراسة كبيرة من قبل إدارة الجامعة، وهذا يبين لنا بوضوح انتصار اليمين المتطرف في "إسرائيل". حيث ان اليمين المتطرف جدا يفرض أجندته في كل مكان وفي كل خطوة، وانجرت إدارة الجامعة وراء هذا التوجه. معنى ذلك، ان جامعة حيفا تنحرف يمينا، ما ينعكس سلبا على وجود الطلاب العرب فيها. في حين أن هناك اصواتا تطالب بمزيد من وجود العربية في حيزات جامعة حيفا، سواء كان في الشعار الجامعي والمكاتبات واليافطات وسواها. ولكن الصراع يندرج نحو اللغة وهذا غير مقصور على حدود هذه الجامعة بل قائم في مؤسسات جامعية اخرى، حيث تتلاشى العربية منها، علما أن العربية لغة رسمية في " إسرائيل".
- لا شك في ان يوم الأرض شكل منعطفًا كبيرًا في حياة الفلسطينيين في الداخل، إذ ولأول مرة منذ احتلال فلسطين في عام 1948 يعلن الفلسطينيون عن عصيان مدني ضد سياسات حكومات "إسرائيل" تجاههم. فهذه الحكومات اعتبرت الفلسطينيين الباقين على أراضيهم مواطنين تابعين لنظامها، ولكنها تتعامل معهم وفق قوانين وأنظمة تمييزية، هدفها الأساس نهب وسلب المزيد من الأراضي الفلسطينية بذرائع مختلفة. لهذا، انا اعتبر يوم الأرض حاملا أبعادا واسعة تخطت حدود الصمت، ودفعت بالفلسطينيين إلى رفع صوتهم مطالبين بالحقوق وخاصة حق الحياة على الأرض التي يمتلكونها. من جهة أخرى فإن يوم الأرض أحدث تغييرا في المشهد النضالي، إذ لم تعد القضية مقتصرة على مطالب يومية بل دفاعا عن الوجود والبقاء. وباعتقادي أن هذا الحراك بما حمله من رسالة جعل يوم الأرض يوما عربيا وليس فلسطينيا فقط.
* ـ في ذات السياق كيف يتعايش المؤرخ الفلسطيني داخل الكيان الصهيوني .. ما هي المواضيع التي تشغلكم هناك ..هل تعانون من أي مضايقات .. كيف تتعاملون مع أسرلة المجتمع..؟
أولا، نحن نعيش على أرضنا وفي وطننا. ونحن لسنا غرباء عن هذا الوطن. ونحن لسنا ضيوفا فيه، وأيضا نحن لسنا حالة طارئة. نحن أصحاب الأرض ولنا قضية وندافع عنها. القضايا التي تشغلنا كثيرة هي، في مقدمتها المطالب اليومية والتي يحتاج إليها كل إنسان حتى يعيش أسوة بباقي الناس في أي بقعة في العالم. مثلا قضايا المساواة في الميزانيات المحلية ـ في البلديات والمجالس المحلية، مساواة في ميزانيات التربية والتعليم، مساواة في شؤون الرعاية الصحية، الخ.... بمعنى أننا نعاني من سياسات تمييز فاضحة ومكشوفة في مسألة الميزانيات. فمقارنة بين ما تخصصه الحكومة عبر وزاراتها ودوائرها الرسمية للمجتمع اليهودي وما تخصصه للمجتمع الفلسطيني في "إسرائيل" فيه فارق وفجوة كبيرة للغاية، وهذا ينعكس بالتالي على مستوى الخدمات والمعيشة. مسألة أخرى نكافح من أجل تحسين ظروفها وهي توفير فرص العمل، خاصة للأكاديميين، حيث إن سياسات "إسرائيل" تقضي بفرض قيود على عدد من الوظائف الرسمية في القطاع العام على وجه الخصوص بأن يكون المتقدم إليها قد أنهى خدمته العسكرية. هذا الشرط مجحف وغير قانوني بالمرة، ولكنه متبع بطرق مختلفة، وذلك لتفضيل اليهودي أو الذي خدم في العسكرية على الفلسطيني الذي لا يخدم بل يرفض تأدية الخدمة العسكرية في جيش يحتل أرضه وطرد أهله. وبالتالي التضييق على الفلسطيني ودفعه إما إلى البحث عن مجال عمل آخر، أقل من الذي كان يرغب فيه أو مؤهلاته تسمح بها، أو إلى الهجرة من الوطن.
من جهة أخرى يتعرض المجتمع العربي الفلسطيني، وبالرغم من سياسات الفصل العنصري، أي فصل الأحياء العربية عن اليهودية في المدينة الواحدة، أو فصل قرى عربية عن مستوطنات يهودية، يتعرض إلى موجات من الأسرلة عن طريق اختراق اللغة العربية وتشويهها، وفرض اللغة العبرية بدلا من اللغة العربية في الحيزات العامة، أو توجيه برامج ومناهج التعليم لتخدم هذه السياسات... وبدون أدنى شك أنه في وسط توفر عشرات وسائل الإعلام الإسرائيلية الناطقة بالعبرية وقلة الناطقة بالعربية تنجح خطط الاسرلة، وتفوز بفريستها. ولكن بدون شك أن هناك وعيا لدى قطاعات من المثقفين العرب الفلسطينيين لهذه الظاهرة، ويجري العمل على الحد منها، ولكن الأدوات المتوفرة شحيحة، والحاجة ماسة إلى موارد مادية وطاقات بشرية وبرامج لمواجهة مد الآسرلة داخل المجتمع. ولكن بالإجمال استطيع القول إن الوضع مقلق، وليس خطيرا إلى حد كبير إلى الآن، ولكن ما يخبئه المستقبل غير مطمئن.
هناك عدد من الجمعيات الأهلية تعمل على رفع مكانة اللغة العربية، وبعضها يعمل على تثبيت الهوية القومية من خلال سلسلة من الفعاليات الثقافية والأنشطة الجماهيرية، والمحاضرات والنشرات، ولكنها غير كافية إزاء ما تقوم به مؤسسات "إسرائيل" وأذرعها الكثيرة الناشطة بين الفلسطينيين لمنعهم من تبني توجهات قومية ووطنية معارضة لـ " إسرائيل".
* ـ في ذات الاتجاه. استوقفتني رسالتك إلى رئيس جامعة حيفا على اثر طرح إدارة الجامعة شعارًا (لوغو) جديدًا خاليًا من العربية.. حيث استنكرت هذا الحدث وطالبت باستعمال اللغة العربية في كل مرافق الجامعة ..ماذا تحدثنا عن هذا الموقف وكيف كان رد الجامعة ..؟
إن موقع جامعة حيفا الجغرافي في منطقة فيها تجمعات عربية لهو مسألة في غاية الأهمية، حيث ان 35% من طلابها هم من الفلسطينيين، خاصة من منطقة الجليل شمالي فلسطين. ولأن موقعها في حيفا وبلدية المدينة تدعي بالتعايش المستمر بين العرب واليهود، حري بهذه الجامعة أن تبرز اسمها باللغة العربية إلى جانب اللغتين العبرية والانجليزية. ولكن ما جرى هو إزالة الاسم بالعربية والإبقاء على اللغتين العبرية والانجليزية. تمت هذه الخطوة ليس بالصدفة، إنما بعد دراسة كبيرة من قبل إدارة الجامعة، وهذا يبين لنا بوضوح انتصار اليمين المتطرف في "إسرائيل". حيث ان اليمين المتطرف جدا يفرض أجندته في كل مكان وفي كل خطوة، وانجرت إدارة الجامعة وراء هذا التوجه. معنى ذلك، ان جامعة حيفا تنحرف يمينا، ما ينعكس سلبا على وجود الطلاب العرب فيها. في حين أن هناك اصواتا تطالب بمزيد من وجود العربية في حيزات جامعة حيفا، سواء كان في الشعار الجامعي والمكاتبات واليافطات وسواها. ولكن الصراع يندرج نحو اللغة وهذا غير مقصور على حدود هذه الجامعة بل قائم في مؤسسات جامعية اخرى، حيث تتلاشى العربية منها، علما أن العربية لغة رسمية في " إسرائيل".
* ـ تطرقت في كتابك "الاستيطان الإسرائيلي"(التاريخ والواقع
والتحديات الفلسطينية الى استعمال المستوطنين ووسائل تثقيفهم لنصوص أدبية لدعم
حركتهم الاستيطانية في مواجهة الحركة الأدبية الفلسطينية المقاومة لهم..هل يمكن
إيضاح تلك النقطة ..؟
يميل المستوطنون إلى تعميق وتثبيت وجودهم الاستيطاني من خلال تبني عدة طرق وتوجهات. فالأمر غير مقصور على بسط السيطرة العسكرية، إنما على فرض الهيمنة الثقافية. حيث وضعت عشرات الأغاني والأناشيد والقصائد الشعرية التي تمجد الروح الطلائعية للمستوطنين والرسالة التي يؤدونها، وأن الاستيطان هو أمر طبيعي وحق من حقوق اليهود في الأرض التي وعدوا بها. وهذه الأنواع الأدبية التي تدرس في مدارس المستوطنات وبعض منها في مدارس " إسرائيل" تسعى إلى خلق واقع ثقافي اجتماعي لدى المجتمع الإسرائيلي برمته، يجري بواسطته التصدي للمقاومة الثقافية الفلسطينية التي تؤكد على الأرض وأهمية الوطن ودور المقاومة في دحر الاحتلال ووضع حد نهائي له. بمعنى آخر ان هناك صراعا قويا بين الثقافتين الفلسطينية والإسرائيلية حول موضوعات الأرض والوطن. وتبين لي من خلال مراجعات لنصوص أدبية صهيونية وإسرائيلية كثيرة أن واضعيها قد اطلعوا على مكونات النصوص الفلسطينية ودرسوها، وبالتالي عرفوا كيفية صياغتها بما يتناسب ورفع الروح المعنوية لدى المستوطنين والإسرائيليين. من جهة أخرى تقوم المؤسسة الإسرائيلية بترجمة نصوص أدبية فلسطينية كثيرة وتطرح مقابلها نصوصا صهيونية وذات توجهات استيطانية للبرهنة على أحقية اليهود في فلسطين. إذن، صراعنا غير مقتصر على الجوانب السياسية والعسكرية إنما بلغ عمق الثقافة.
يميل المستوطنون إلى تعميق وتثبيت وجودهم الاستيطاني من خلال تبني عدة طرق وتوجهات. فالأمر غير مقصور على بسط السيطرة العسكرية، إنما على فرض الهيمنة الثقافية. حيث وضعت عشرات الأغاني والأناشيد والقصائد الشعرية التي تمجد الروح الطلائعية للمستوطنين والرسالة التي يؤدونها، وأن الاستيطان هو أمر طبيعي وحق من حقوق اليهود في الأرض التي وعدوا بها. وهذه الأنواع الأدبية التي تدرس في مدارس المستوطنات وبعض منها في مدارس " إسرائيل" تسعى إلى خلق واقع ثقافي اجتماعي لدى المجتمع الإسرائيلي برمته، يجري بواسطته التصدي للمقاومة الثقافية الفلسطينية التي تؤكد على الأرض وأهمية الوطن ودور المقاومة في دحر الاحتلال ووضع حد نهائي له. بمعنى آخر ان هناك صراعا قويا بين الثقافتين الفلسطينية والإسرائيلية حول موضوعات الأرض والوطن. وتبين لي من خلال مراجعات لنصوص أدبية صهيونية وإسرائيلية كثيرة أن واضعيها قد اطلعوا على مكونات النصوص الفلسطينية ودرسوها، وبالتالي عرفوا كيفية صياغتها بما يتناسب ورفع الروح المعنوية لدى المستوطنين والإسرائيليين. من جهة أخرى تقوم المؤسسة الإسرائيلية بترجمة نصوص أدبية فلسطينية كثيرة وتطرح مقابلها نصوصا صهيونية وذات توجهات استيطانية للبرهنة على أحقية اليهود في فلسطين. إذن، صراعنا غير مقتصر على الجوانب السياسية والعسكرية إنما بلغ عمق الثقافة.
* ـ رغم كل الجهود المبذولة من مجمل المؤرخين الفلسطينيين يرى
البعض أن " الرواية التاريخية الفلسطينية لم تكتمل بعد وما تزال تقف أمام تحديات
جسيمة، ولم يتم فيها بعد ترميم الخسارة الفادحة بالمصادر المكتوبة والوثائق.. فما
الذي يقف عائق أمامكم كمؤرخين..؟
من قال إن الرواية الصهيو- إسرائيلية قد اكتملت؟ لم تكتمل ولن تكتمل، وبالمقابل فإن روايتنا الفلسطينية لم تكتب بصيغة نهائية لأن القضية لم تنته بعد. فكل طرف يدعي أن له رواية، ويتمسك بها وبتفاصيلها... ولكن ما كشفته مؤلفات وبحوث المؤرخين الجدد في "إسرائيل" أن ما كتبه مؤرخو المؤسسة الإسرائيلية عن حرب 1948 هو كذب وتلفيق وسرقة الحقيقة. كشف هؤلاء من خلال الأرشيف الصهيوني وارشيفات "إسرائيل" الأخرى عما قامت به المنظمات العسكرية الصهيونية من مجازر ومذابح وتدمير وطرد وترحيل وفقا لخطط وضعتها القيادات الصهيونية ونفذتها بأوامر من دافيد بن غوريون، وكانت الحصيلة طرد فلسطينيين من 531 مدينة وقرية وتدمير معظم هذه المدن والقرى في وقت لاحق. ما نقوم به هو الاعتماد على شهادات حية من أهالي فلسطين الذين عاشوا تلك الحقبة، ورأوا بأم عينهم ما كان يجري، وأيضا نعتمد على وثائق (بالرغم من قلتها لعدم توفر أرشيف فلسطيني فيه كل ما يحتاج إليه المؤرخ). ولكن رؤيتنا كمؤرخين فلسطينيين تنطلق من حقوقنا التاريخية كشعب، فالمؤرخ في هذه الحالة لا يمكنه ان محايدا، بل بالعكس هو منحاز لقضيته لأنه يكتب عنها، وبكونه يكتب عنها فهي قضيته. ولهذا اعتقد انه كان موقفا جيدا بعدم مواجهة الرواية الإسرائيلية مباشرة فور صدورها بكتابة نصوص تاريخية فلسطينية. لقد احتجنا إلى فترة زمنية للاستفاقة من صدمة النكبة والشروع بالبحوث التاريخية. بمعنى آخر، اننا أصبحنا ناضجين وممتلكين وعيا قويا إلى أن الزمن قد ترك بصماته، وأن واجبنا هو ليس الكتابة لمجرد الكتابة بل من أجل دعم الحق الفلسطيني. وهذا هو دور المؤرخ الذي يحمل قضية، لا أن يكتب عنها نصا لمجرد النص بل للدفاع عنها.
* ـ إشارة لحديثك عن الاعتماد على التاريخ الشفوي في بناء الرواية التاريخية الفلسطينية.. ، نتساءل إلى أي مدى يمكن الاعتماد على دقة الرواية الشفوية في كتابة التاريخ..؟
كما ذكرت نحن لا نمتلك أرشيفا رسميًّا ولا خاصا مفتوح لجمهور الباحثين. ولكني أرى ألا نقف على الحياد ونترك "الميدان لحميدان" ، نحن مصرون على كتابة تاريخنا، والأدوات المتوفرة بين أيدينا ليست كثيرة، ولكنها كافية للتعاطي مع الحدث وكتابته بصيغة تاريخية وافية ومتكاملة. الحالة التي نحن فيها أننا نلجأ إلى التاريخ الشفوي، وباعتباره مصدرا جيدا فيما لو عرف المؤرخ كيفية استعماله لخدمة غرضه أو أغراضه ومقاصده. فشهادات المعاصرين وقد تختلف في بعض تفاصيلها هنا وهناك، إلا أنه قوية لأنها تنطلق من السنة من عايشها أو كان قريبا من زمن الحدث ومكانه. الحاجة لدى المؤرخ هو تبين دقتها بعد فحصها وتمحيصها والغوص فيها، والارتكاز فيما بعد إلى منهجية بحثية مناسبة يكون نتاجها نصا تاريخيا منطقيا وواقعيا ومؤثرا. أنا شخصيا لا أرفض التاريخ الشفوي، بل بالعكس ومنذ ثلاثة عقود أقوم بجمع شهادات من أهالي حيفا وشمالي فلسطين، ولكني لا أدعها وحيدة على صفحة التاريخ، بل ادعمها بوثائق ومستندات وصور وغيرها ..
من قال إن الرواية الصهيو- إسرائيلية قد اكتملت؟ لم تكتمل ولن تكتمل، وبالمقابل فإن روايتنا الفلسطينية لم تكتب بصيغة نهائية لأن القضية لم تنته بعد. فكل طرف يدعي أن له رواية، ويتمسك بها وبتفاصيلها... ولكن ما كشفته مؤلفات وبحوث المؤرخين الجدد في "إسرائيل" أن ما كتبه مؤرخو المؤسسة الإسرائيلية عن حرب 1948 هو كذب وتلفيق وسرقة الحقيقة. كشف هؤلاء من خلال الأرشيف الصهيوني وارشيفات "إسرائيل" الأخرى عما قامت به المنظمات العسكرية الصهيونية من مجازر ومذابح وتدمير وطرد وترحيل وفقا لخطط وضعتها القيادات الصهيونية ونفذتها بأوامر من دافيد بن غوريون، وكانت الحصيلة طرد فلسطينيين من 531 مدينة وقرية وتدمير معظم هذه المدن والقرى في وقت لاحق. ما نقوم به هو الاعتماد على شهادات حية من أهالي فلسطين الذين عاشوا تلك الحقبة، ورأوا بأم عينهم ما كان يجري، وأيضا نعتمد على وثائق (بالرغم من قلتها لعدم توفر أرشيف فلسطيني فيه كل ما يحتاج إليه المؤرخ). ولكن رؤيتنا كمؤرخين فلسطينيين تنطلق من حقوقنا التاريخية كشعب، فالمؤرخ في هذه الحالة لا يمكنه ان محايدا، بل بالعكس هو منحاز لقضيته لأنه يكتب عنها، وبكونه يكتب عنها فهي قضيته. ولهذا اعتقد انه كان موقفا جيدا بعدم مواجهة الرواية الإسرائيلية مباشرة فور صدورها بكتابة نصوص تاريخية فلسطينية. لقد احتجنا إلى فترة زمنية للاستفاقة من صدمة النكبة والشروع بالبحوث التاريخية. بمعنى آخر، اننا أصبحنا ناضجين وممتلكين وعيا قويا إلى أن الزمن قد ترك بصماته، وأن واجبنا هو ليس الكتابة لمجرد الكتابة بل من أجل دعم الحق الفلسطيني. وهذا هو دور المؤرخ الذي يحمل قضية، لا أن يكتب عنها نصا لمجرد النص بل للدفاع عنها.
* ـ إشارة لحديثك عن الاعتماد على التاريخ الشفوي في بناء الرواية التاريخية الفلسطينية.. ، نتساءل إلى أي مدى يمكن الاعتماد على دقة الرواية الشفوية في كتابة التاريخ..؟
كما ذكرت نحن لا نمتلك أرشيفا رسميًّا ولا خاصا مفتوح لجمهور الباحثين. ولكني أرى ألا نقف على الحياد ونترك "الميدان لحميدان" ، نحن مصرون على كتابة تاريخنا، والأدوات المتوفرة بين أيدينا ليست كثيرة، ولكنها كافية للتعاطي مع الحدث وكتابته بصيغة تاريخية وافية ومتكاملة. الحالة التي نحن فيها أننا نلجأ إلى التاريخ الشفوي، وباعتباره مصدرا جيدا فيما لو عرف المؤرخ كيفية استعماله لخدمة غرضه أو أغراضه ومقاصده. فشهادات المعاصرين وقد تختلف في بعض تفاصيلها هنا وهناك، إلا أنه قوية لأنها تنطلق من السنة من عايشها أو كان قريبا من زمن الحدث ومكانه. الحاجة لدى المؤرخ هو تبين دقتها بعد فحصها وتمحيصها والغوص فيها، والارتكاز فيما بعد إلى منهجية بحثية مناسبة يكون نتاجها نصا تاريخيا منطقيا وواقعيا ومؤثرا. أنا شخصيا لا أرفض التاريخ الشفوي، بل بالعكس ومنذ ثلاثة عقود أقوم بجمع شهادات من أهالي حيفا وشمالي فلسطين، ولكني لا أدعها وحيدة على صفحة التاريخ، بل ادعمها بوثائق ومستندات وصور وغيرها ..
ـ و كيف يتماهى هذا الحديث مع دعوتك لوضع أسس مشتركة للكتابة
التاريخية التي تخص التاريخ الفلسطيني اولا والقضية الفلسطينية ثانيا. .؟
دعوتي في الأساس انطلقت من ضرورة توحيد الصفوف، اسوة بالدعوة إلى توحيد الصفوف السياسية والسعي بالتالي إلى وضع مشروع مشترك لكل المؤرخين الفلسطينيين والعرب وغيرهم لإخراج نصوص تاريخية داعمة للقضية. طبعا المسألة تحتاج إلى جهود كبيرة، وإلى موارد وطاقات بشرية ومادية، ولا اعتقد انها صعبة المنال والتنفيذ. كثيرون يكتبون عن التاريخ الفلسطيني، ويركزون على الحديث والمعاصر، في حين أن هناك حاجة ماسة إلى خلق مدرسة (مذهب فكري) للتاريخ الفلسطيني يعود به المؤرخ إلى فترات زمنية قديمة تؤكد وجوده. بمعنى آخر، بات على المؤرخ الفلسطيني ان يدافع عن وجود شعبه الساكن على أرضه منذ فجر التاريخ. هذا التوجه يحتاج إلى عمل جماعي موجه ومبرمج، وهو غير قائم إلى الآن إلا في مواضيع محددة ولفترة زمنية معينة وينتهي. وهذا يتطلب معرفة ما يكتبه الآخر ومواجهته ليس فقط سياسيا بل فكريا. والخلاصة أنه علينا وضع خطة مدروسة ومحكمة للتاريخ الفلسطيني، ووضع خطة لكيفية نشر هذا التاريخ ليصبح أكثر عالميا ويجلب المزيد من مؤيدي القضية الفلسطينية. أنا أسعى إلى ألا يكون البحث التاريخي في تاريخ فلسطين لمجرد دراسة التاريخ، نحن نحمل قضية وعلينا تصدير هذه القضية إلى العالم بكل الطريق، والطريق التي استطيع القيام بها هي الكتابة التاريخية، وانا أعتقد أن الكتابة التاريخية الجماعية او في مجموعة تزيد من قوة القضية. وهنا في هذه المناسبة أطلق صوتا بالدعوة إلى عقد مؤتمر عربي كبير للمؤرخين عنوانه القضية الفلسطينية.
* ـ كان لمدينة حيفا نصيب الأسد في كتاباتك .. وعنها تقول " حيفا تمثل مشهدًا جديدًا في مسيرة نضال وكفاح الشعب العربي الفلسطيني لجعلها مركزًا لثقافته وفكره ورؤاه ... هل يمكن إيضاح لماذا حيفا وليس غيرها من المدن الفلسطينية.. ؟
دعوتي في الأساس انطلقت من ضرورة توحيد الصفوف، اسوة بالدعوة إلى توحيد الصفوف السياسية والسعي بالتالي إلى وضع مشروع مشترك لكل المؤرخين الفلسطينيين والعرب وغيرهم لإخراج نصوص تاريخية داعمة للقضية. طبعا المسألة تحتاج إلى جهود كبيرة، وإلى موارد وطاقات بشرية ومادية، ولا اعتقد انها صعبة المنال والتنفيذ. كثيرون يكتبون عن التاريخ الفلسطيني، ويركزون على الحديث والمعاصر، في حين أن هناك حاجة ماسة إلى خلق مدرسة (مذهب فكري) للتاريخ الفلسطيني يعود به المؤرخ إلى فترات زمنية قديمة تؤكد وجوده. بمعنى آخر، بات على المؤرخ الفلسطيني ان يدافع عن وجود شعبه الساكن على أرضه منذ فجر التاريخ. هذا التوجه يحتاج إلى عمل جماعي موجه ومبرمج، وهو غير قائم إلى الآن إلا في مواضيع محددة ولفترة زمنية معينة وينتهي. وهذا يتطلب معرفة ما يكتبه الآخر ومواجهته ليس فقط سياسيا بل فكريا. والخلاصة أنه علينا وضع خطة مدروسة ومحكمة للتاريخ الفلسطيني، ووضع خطة لكيفية نشر هذا التاريخ ليصبح أكثر عالميا ويجلب المزيد من مؤيدي القضية الفلسطينية. أنا أسعى إلى ألا يكون البحث التاريخي في تاريخ فلسطين لمجرد دراسة التاريخ، نحن نحمل قضية وعلينا تصدير هذه القضية إلى العالم بكل الطريق، والطريق التي استطيع القيام بها هي الكتابة التاريخية، وانا أعتقد أن الكتابة التاريخية الجماعية او في مجموعة تزيد من قوة القضية. وهنا في هذه المناسبة أطلق صوتا بالدعوة إلى عقد مؤتمر عربي كبير للمؤرخين عنوانه القضية الفلسطينية.
* ـ كان لمدينة حيفا نصيب الأسد في كتاباتك .. وعنها تقول " حيفا تمثل مشهدًا جديدًا في مسيرة نضال وكفاح الشعب العربي الفلسطيني لجعلها مركزًا لثقافته وفكره ورؤاه ... هل يمكن إيضاح لماذا حيفا وليس غيرها من المدن الفلسطينية.. ؟
أردت من خلال كتاباتي عن حيفا أن أظهر أن هذه المدينة الشابة
بين مدائن فلسطين، عمرها 250 سنة، هي أكبر من أي مدينة يهودية ـ اسرائيلية من حيث
العمر، ومن حيث دورها التاريخي. فكيف الحديث عن مدائن فلسطين الأخرى التي تحمل على
كتفها تاريخ آلاف السنين كعكا ويافا وغزة واريحا ونابلس والقدس .... من جهة أخرى من
يدرس تاريخ حيفا يلحظ كيف نمت وتطورت هذه المدينة بفعل عوامل مختلفة منها محلية
ومنها خارجية، وأصبحت قوة جذب لآلاف العائلات الفلسطينية من فلسطين ومن البلاد
العربية المحيطة. وأدركت حكومة الانتداب أهمية حيفا وأدركت الصهيونية بعدها أو معها
أهمية المدينة وبدأت تركز مشاريعها الاستيلائية على هذه المدينة. من جهة أخرى لم
يكن المجتمع الفلسطيني في حيفا مجتمعا عماليا فقط، بل مجتمع حضاري بكل ما في الكلمة
من معنى، حيث تأسست الأندية الثقافية والجرائد والمجلات والمسارح وصالات السينما
وفرق الرياضة على مختلف أنواعها والمدارس والمقاهي والحركات الكشفية... وعاش
المجتمع الفلسطيني في حيفا في تركيبة اجتماعية متناسقة وإن كانت مصادر قدوم
المواطنين متنوعة من قرى ومدن في فلسطين ومن خارجها، إلا أن حيفا جمعت الجميع تحت
جناحيها ومنحت كل فلسطيني فرصة العيش والتطور والنمو ورفع المستوى الثقافي
والاجتماعي والاقتصادي. ونتيجة لمجموع الأجواء والظروف التي حصلت في حيفا بدأت تظهر
فيها حركات سياسية ونضالية وانعقدت فيها مؤتمرات فلسطينية سياسية واجتماعية
وتعليمية، وتشكلت فيها بعض الأحزاب، وتشكلت فيها حركة المجاهد عز الدين القسام التي
رفعت لواء مقاومة الاحتلال الانجليزي وسياسات حكومة الانتداب القهرية والقمعية ضد
الشعب الفلسطيني. لا شك في أن حيفا كمدينة ذات خصوصية تركت طابعا خاصا على تشكيل
الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية.
من جهة أخرى فإن موقع حيفا على الطريق الواصل بين مصر وبلاد الشام، وموقعها الواصل بين الداخل السوري والساحل عبر القطار، وتطوير ميناؤها وبناء المنطقة الصناعية فيها وموجات الهجرة الاستعمارية الصهيونية ووفود الحركة العمالية إليها، اكسبها مكانة وحملها مسئولية تاريخية تجاه فلسطين، انقطعت او توقفت في عام 1948، واختفت بصورة كلية.
من جهة أخرى فإن موقع حيفا على الطريق الواصل بين مصر وبلاد الشام، وموقعها الواصل بين الداخل السوري والساحل عبر القطار، وتطوير ميناؤها وبناء المنطقة الصناعية فيها وموجات الهجرة الاستعمارية الصهيونية ووفود الحركة العمالية إليها، اكسبها مكانة وحملها مسئولية تاريخية تجاه فلسطين، انقطعت او توقفت في عام 1948، واختفت بصورة كلية.
8 ـ كتابك عن "إسرائيل الأخرى" .. ما الذي قدمته من خلاله
..؟
هذا الكتاب هو في الأساس يحمل توجهين: الأول معلوماتي محتلن ( أي حديث )، خاصة وان ما يعرفه العرب عموما عن "إسرائيل" ليس بالقدر الكافي، وليس بنفس القدر الذي يعرفه الإسرائيليون عن العرب. الثاني: هو تحليل لعدد من المواضيع التي لا يمكن ان يعرفها العربي في العالم العربي إلا لمن يعايشها ويعرف نبض الشارع الإسرائيلي.
من جهة أخرى، يبين الكتاب في توجهه الرئيس أن ما يحرك " إسرائيل" هو الأمن في الأساس، اي ان النظام المدني فيها ليس مدنيا بقدر ما هو عسكريا، أي ان العسكرة هي العنصر الموجه للسياسة والاقتصاد والتعليم والحياة الاجتماعية. ومن حول النظام العسكري تدور الحياة. فرأيت انه من المناسب تعريف القارئ العربي والباحث المهتم بالإسرائيليات على الأجواء التفصيلية والدقيقة الجارية في " إسرائيل".
* ـ تشير التوجهات الإسرائيلية الأخيرة بإلزام المواطنين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية بقسم الولاء لـ "يهودية إسرائيل وديمقراطيتها". كيف ستتعاملون مع هذا القسم وكيف سينعكس على فلسطيني 48 ..؟
هذا الكتاب هو في الأساس يحمل توجهين: الأول معلوماتي محتلن ( أي حديث )، خاصة وان ما يعرفه العرب عموما عن "إسرائيل" ليس بالقدر الكافي، وليس بنفس القدر الذي يعرفه الإسرائيليون عن العرب. الثاني: هو تحليل لعدد من المواضيع التي لا يمكن ان يعرفها العربي في العالم العربي إلا لمن يعايشها ويعرف نبض الشارع الإسرائيلي.
من جهة أخرى، يبين الكتاب في توجهه الرئيس أن ما يحرك " إسرائيل" هو الأمن في الأساس، اي ان النظام المدني فيها ليس مدنيا بقدر ما هو عسكريا، أي ان العسكرة هي العنصر الموجه للسياسة والاقتصاد والتعليم والحياة الاجتماعية. ومن حول النظام العسكري تدور الحياة. فرأيت انه من المناسب تعريف القارئ العربي والباحث المهتم بالإسرائيليات على الأجواء التفصيلية والدقيقة الجارية في " إسرائيل".
* ـ تشير التوجهات الإسرائيلية الأخيرة بإلزام المواطنين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية بقسم الولاء لـ "يهودية إسرائيل وديمقراطيتها". كيف ستتعاملون مع هذا القسم وكيف سينعكس على فلسطيني 48 ..؟
هذا موضوع خطير للغاية، واعتقد أنه ستقع مواجهات سياسية
وقضائية بشأنه. المنطلق الأول هو رفض هذا القسم بكل أشكاله، والمنطلق الثاني هو عدم
توافقية كون "إسرائيل" يهودية وديمقراطية في الوقت ذاته. وعليه أرى اننا سنواجه
أزمة قوية في هذا السياق. لا اعرف إلى ما ستؤول الحالة، ولكني قلق للغاية من مزيد
من التشدد وتشديد القبضة على أعناق الفلسطينيين في " إسرائيل".
* ـ كيف تنظر الى مجموعة "المؤرخين الإسرائيليين الجدد"
..؟
باعتقادي أن المؤرخين الإسرائيليين الجدد قدموا مساهمة كبيرة في مجال النص التاريخي وخاصة وأنهم ارتكزوا على نفس الأرشيفات التي ارتكز عليها مؤرخو المؤسسة الحاكمة في " إسرائيل" ، ولكنهم تعاملوا معها بطريقة مختلفة وأنهم أيضا تعاطوا مع وثائق أخرى. لا شك في ان ظهور هؤلاء هو دليل على محاسبة ضمير، ودليل على وجود معارضين لكل توجهات المؤسسة بطرح تاريخ كاذب وملفق، وأكثر من ذلك ان بعضهم، وخاصة (ايلان بابه) قد ذهب إلى ابعد من ذلك، حيث اتهم المؤسسة الإسرائيلية ليس بالتلفيق فقط بل بتنفيذ تطهير عرقي بحق الشعب العربي الفلسطيني في العام 1948، مبينا بالاستناد على الوثائق والمستندات في أرشيفات "إسرائيل". الصراع بين مؤرخي المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة وبين المؤرخين الجدد كبير هو، وهناك تيارات رافضة لهم، وهناك من يعتبرهم أعداء، لدرجة ان معظم مكتبات بيع الكتب في "إسرائيل" ترفض بيع كتبهم، وهذا ما حصل مع المؤرخ بابه، وأنا شاهد على ذلك. بمعنى آخر، أن هذا الرفض وهذه الموجة من المعارضة تؤكد تلفيق التاريخ الذي أرادت المؤسسة الإسرائيلية الرسمية فرضه لأحداث العام 1948، بحيث سعت وتسعى إلى تبرئة نفسها من عمليات الترحيل والتهجير والقتل وإلقاء المسئولية على الفلسطينيين والحكومات العربية. لهذا، اعتبر ان دورهم مهم جدا، وستزداد أهميته فيما لو عرفت القيادات الفكرية والسياسية العربية الاستفادة من كتاباتهم.
* ـ في ذات الإطار يسعى (بيني موريس) في كتابه عن حرب 1948 الى إعادة كتابة تاريخ هذه الحرب، و يدعي أن حرب (1948) لم تكن صراعا على الأرض، وإنما تدخل في إطار "الجهاد الأول"، وهي حرب لا تزال مستمرة حتى اليوم، وأنه من غير المؤكد أن " إسرائيل" ستنتصر فيها. بحسب موريس.. ..؟
( بيني موريس) أتعبنا قليلا وأشغلنا كثيرا فيما طرحه، حيث انه كان من أوائل الذين كشفوا جرائم "إسرائيل" في العام 1948 وحتى العام 1949(له كتاب آخر يتطرق فيه إلى حروب الحدود كما يسميها). فهو اعترف بجرائم " إسرائيل" في القرى والمدن الفلسطينية التي طرد اهلها، وبعد حين يتراجع عن اعترافه هذا. ولكن لندع قليلا تراجعه، فمجرد طرحه وإثباته وجود جرائم في كتابه ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، هو اعتراف من مؤرخ إسرائيلي بهذه الجرائم، وهذا الاعتراف يعكس تخبط مؤرخ (وبالتالي تخبط مفكرين غيره) في نفس المسائل. ومن جهة أخرى فيما لو عدنا إلى تراجعه فهو لا يغير من الحقيقة اي شيء. حيث يطرح السؤال لماذا تراجع؟ الجواب في باب السياسة، اي جراء ضغوط سياسية أجريت عليه ودفعته إلى التراجع.
أما مقولته ان "إسرائيل" لن تنتصر فهي حقيقية وواقعية، حيث تشير كل المؤشرات إلى ذلك. "إسرائيل" لا تواجه جيوشا عربية إنما شعوب عربية، وهذا مربع صعب للغاية. فالشعوب العربية تعتبر "إسرائيل" دولة استعمارية تسيطر على الأرض من منطلقات متنوعة، ولكنها أي هذه الشعوب تشعر ان سلب الأرض العربية هو سلب لكرامتها ووجودها التاريخي في المنطقة. ولهذا أنا أرى أن الصراع هو على الأرض وعلى الكلمة وتأثيرها وعلى التاريخ وصناعته وكيفية كتابته وعرضه على الملأ. اي أن هناك صراعا متعدد الجوانب من خلال تطبيق مشروع إقامة " إسرائيل" في هذه المنطقة بالذات.,
* ـ ايضا تطرق الباحث الإسرائيلي غيش عميت. الى " المجزرة الثقافية" التي ارتكبتها "إسرائيل " خلال النكبة وبعدها ..وتمثلت بنهب مكتبات لعائلات وكتّاب وأدباء فلسطينيين، عدا عن مكتبات ووثائق الهيئات الفلسطينية العامة، والمدارس والكنائس .ماذا يمكن الحديث عن هذه المجزرة..وهل هناك من خطوات لاستعادة هذه الكنوز الثقافية.. ؟
لم نحتج إلى أن يأتي عميت ويكشف هذا الأمر، فنحن نعرف معرفة حقيقية ومباشرة لمسألة سرقة الكتب خصوصا، بعضها موضوع على رفوف مكتبات الجامعات والكليات الإسرائيلية وهي في متناول اليد. ما بينه عميت هو أبعد من ذلك، ان هناك منهجا إسرائيليا منذ العام 1948 إلى سرقة الثقافة الفلسطينية. والمكتبات العائلية والعامة بما كانت تحويه من كتب ومحلات ووثائق هي كنز الشعب الفلسطيني وتأكيد على حضارته وفكره ورؤيته الثقافية وعيشه هذه الرؤية بممارسة حياتية فعالة. فلم لا تسرق " إسرائيل" هذه الكنوز ما دامت تقوم بسرقة ونهب الأرض والبيوت ومحتوياتها. لا تزال آلاف الكتب والوثائق الفلسطينية برزمها في أقبية الجامعة العبرية على سبيل المثال، ولا يوجد اي تصريح رسمي يعترف بهذه الجريمة الثقافية التي ارتكبتها " إسرائيل". هناك نية بتوجه قانوني إلى القضاء الإسرائيلي للإفراج عن هذه الكنوز، ولكن المسألة تحتاج إلى جهود جماعية وتعاون من طرف العائلات صاحبة هذه الكنوز لأنها ملكيات خاصة، في الأساس. ولكن هذا لا يعني انها ليست ملكا للشعب الفلسطيني عامة، إذ إنها نهبت في ظروف عدائية بحتة.
* ـ كيف ينظر كتاب الداخل ونقاده إلى ما يطرح حول مسالة التطبيع مع الكيان الصهيوني .. ؟
أنا شخصيا أفهم جيدا مواقف أفراد وجماعات من أهلنا في البلاد العربية من هذا الموضوع، ونحن ضد اي شكل من أشكال التطبيع، ولكن أن تؤسس علاقات اجتماعية وثقافية وتعاون بين العرب وبيننا نحن فلسطينيو الداخل لا أرى فيه اي شكل من أشكال التطبيع، بل بالعكس أرى فيه مزيدا من المحبة والتعاطف والدعم لوجودنا وصمودنا وبقاءنا. نحن لا نريد أن تستفيد " إسرائيل" من اي محاولة تطبيعية لدعم سياساتها في المنطقة، كل ما نريده هو فهم ظروفنا وخصوصيتنا وتمسكنا بهويتنا العربية وهذا كاف لتأكيد صلاتنا التاريخية والإنسانية مع اهلنا في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه.
* ـ سؤال أخير.. ما هي أهم المشاكل التي يعاني منها مثقفو الداخل الفلسطيني .. وعلى الصعيد الإبداعي، هل تعتبر وجودك في أراضي الـ48 ميزة.. أم أنه حرمك من ميزة ما ..؟
من أبرز المشاكل التي يعاني منها مثقفو الداخل الفلسطيني غياب التنظيم الذي يجمعهم. كل مثقف يبحث عن طريقه لوحده دون ان يتلقى اي مساعدة إلا في النادر. من جهة أخرى تعمل المؤسسة الإسرائيلية على تدجين وتهجين عدد من المثقفين تحت غطاء الثقافة الفلسطينية لوضعهم ضمن حدود رغباتها والتخفيف من حدة توجهاتهم الوطنية والقومية. أضف إلى ذلك عدم وجود دور نشر تعمل على دعم نشر نتاج المثقف المبدع، فيضطر إلى القيام بذلك بقواه الذاتية والظروف الاقتصادية قاسية وصعبة للغاية. وانا أرى أنه من الضروري توفير حيز أوسع ومساحة اكبر للتعبير عن الفكر والثقافة الفلسطينية في الداخل في المحيط العربي القريب على الأقل، اي أن تتاح الفرصة وبطريقة مدروسة وموجهة إلى تبني إبداعات فكرية لفلسطينيي الداخل ونشرها بهدف تعريف العالم العربي عليها. وأنا اعني هنا التواصل المبرمج والممنهج وليس الفردي الذي يقوم به كل شخص بقواه الذاتية. وهذا يعني ضرورة التنظيم والمأسسة، لمساعدة المثقف الفلسطيني في الداخل على البقاء والاستمرار في التعبير عن الذات.
بالنسبة لوجودي أو بقائي في أراضي ألـ 48 ففيه المر وفيه الحلو. المر الذي فيه، أنني مضطر صباح مساء الدفاع عن وجودي وكياني ومستقبلي وهويتي وحضارتي. وأنني مضطر إلى أن أسير وفق قوانين وأنظمة فرضت علي بظروف لست منظمها ولا فاعلها، وأنني أعيش في أجواء متوترة ومتشنجة ومحيط معادي وكاره يرفض وجودي في الأساس ويسعى إلى اقتلاعي.
وأيضا هذا الإطار السياسي المصطنع والمبرمج الذي تكون في العام 1948 حرمني من التواصل مع امتدادي الطبيعي مع أهلي في سائر بلاد الشام وشمالي افريقيا وغيرها. بمعنى آخر قطع حبل الصلة مع هذا الامتداد التاريخي والوجودي عبر آلاف السنين.
ولكن ميزة بقائنا في ظل المشروع الصهيوني أنني استطيع أن أدافع عن أرضي من موقعي، وأنني استطيع أن أقارع هذا المشروع من الداخل، وأنني استطيع ان انقل إلى العالم العربي من خلال علاقة يومية جارية ما يمكن ان يضيء الأنوار على ماهية هذا المشروع وكيف يعمل وما هي رؤاه وتوجهاته السياسية والعسكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وهذه الميزة يجب ان تستثمر جيدا من قبل جهات عربية سياسية كانت أو غيرها، ومن قبل مؤسسات بحثية على وجه الخصوص.
باعتقادي أن المؤرخين الإسرائيليين الجدد قدموا مساهمة كبيرة في مجال النص التاريخي وخاصة وأنهم ارتكزوا على نفس الأرشيفات التي ارتكز عليها مؤرخو المؤسسة الحاكمة في " إسرائيل" ، ولكنهم تعاملوا معها بطريقة مختلفة وأنهم أيضا تعاطوا مع وثائق أخرى. لا شك في ان ظهور هؤلاء هو دليل على محاسبة ضمير، ودليل على وجود معارضين لكل توجهات المؤسسة بطرح تاريخ كاذب وملفق، وأكثر من ذلك ان بعضهم، وخاصة (ايلان بابه) قد ذهب إلى ابعد من ذلك، حيث اتهم المؤسسة الإسرائيلية ليس بالتلفيق فقط بل بتنفيذ تطهير عرقي بحق الشعب العربي الفلسطيني في العام 1948، مبينا بالاستناد على الوثائق والمستندات في أرشيفات "إسرائيل". الصراع بين مؤرخي المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة وبين المؤرخين الجدد كبير هو، وهناك تيارات رافضة لهم، وهناك من يعتبرهم أعداء، لدرجة ان معظم مكتبات بيع الكتب في "إسرائيل" ترفض بيع كتبهم، وهذا ما حصل مع المؤرخ بابه، وأنا شاهد على ذلك. بمعنى آخر، أن هذا الرفض وهذه الموجة من المعارضة تؤكد تلفيق التاريخ الذي أرادت المؤسسة الإسرائيلية الرسمية فرضه لأحداث العام 1948، بحيث سعت وتسعى إلى تبرئة نفسها من عمليات الترحيل والتهجير والقتل وإلقاء المسئولية على الفلسطينيين والحكومات العربية. لهذا، اعتبر ان دورهم مهم جدا، وستزداد أهميته فيما لو عرفت القيادات الفكرية والسياسية العربية الاستفادة من كتاباتهم.
* ـ في ذات الإطار يسعى (بيني موريس) في كتابه عن حرب 1948 الى إعادة كتابة تاريخ هذه الحرب، و يدعي أن حرب (1948) لم تكن صراعا على الأرض، وإنما تدخل في إطار "الجهاد الأول"، وهي حرب لا تزال مستمرة حتى اليوم، وأنه من غير المؤكد أن " إسرائيل" ستنتصر فيها. بحسب موريس.. ..؟
( بيني موريس) أتعبنا قليلا وأشغلنا كثيرا فيما طرحه، حيث انه كان من أوائل الذين كشفوا جرائم "إسرائيل" في العام 1948 وحتى العام 1949(له كتاب آخر يتطرق فيه إلى حروب الحدود كما يسميها). فهو اعترف بجرائم " إسرائيل" في القرى والمدن الفلسطينية التي طرد اهلها، وبعد حين يتراجع عن اعترافه هذا. ولكن لندع قليلا تراجعه، فمجرد طرحه وإثباته وجود جرائم في كتابه ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، هو اعتراف من مؤرخ إسرائيلي بهذه الجرائم، وهذا الاعتراف يعكس تخبط مؤرخ (وبالتالي تخبط مفكرين غيره) في نفس المسائل. ومن جهة أخرى فيما لو عدنا إلى تراجعه فهو لا يغير من الحقيقة اي شيء. حيث يطرح السؤال لماذا تراجع؟ الجواب في باب السياسة، اي جراء ضغوط سياسية أجريت عليه ودفعته إلى التراجع.
أما مقولته ان "إسرائيل" لن تنتصر فهي حقيقية وواقعية، حيث تشير كل المؤشرات إلى ذلك. "إسرائيل" لا تواجه جيوشا عربية إنما شعوب عربية، وهذا مربع صعب للغاية. فالشعوب العربية تعتبر "إسرائيل" دولة استعمارية تسيطر على الأرض من منطلقات متنوعة، ولكنها أي هذه الشعوب تشعر ان سلب الأرض العربية هو سلب لكرامتها ووجودها التاريخي في المنطقة. ولهذا أنا أرى أن الصراع هو على الأرض وعلى الكلمة وتأثيرها وعلى التاريخ وصناعته وكيفية كتابته وعرضه على الملأ. اي أن هناك صراعا متعدد الجوانب من خلال تطبيق مشروع إقامة " إسرائيل" في هذه المنطقة بالذات.,
* ـ ايضا تطرق الباحث الإسرائيلي غيش عميت. الى " المجزرة الثقافية" التي ارتكبتها "إسرائيل " خلال النكبة وبعدها ..وتمثلت بنهب مكتبات لعائلات وكتّاب وأدباء فلسطينيين، عدا عن مكتبات ووثائق الهيئات الفلسطينية العامة، والمدارس والكنائس .ماذا يمكن الحديث عن هذه المجزرة..وهل هناك من خطوات لاستعادة هذه الكنوز الثقافية.. ؟
لم نحتج إلى أن يأتي عميت ويكشف هذا الأمر، فنحن نعرف معرفة حقيقية ومباشرة لمسألة سرقة الكتب خصوصا، بعضها موضوع على رفوف مكتبات الجامعات والكليات الإسرائيلية وهي في متناول اليد. ما بينه عميت هو أبعد من ذلك، ان هناك منهجا إسرائيليا منذ العام 1948 إلى سرقة الثقافة الفلسطينية. والمكتبات العائلية والعامة بما كانت تحويه من كتب ومحلات ووثائق هي كنز الشعب الفلسطيني وتأكيد على حضارته وفكره ورؤيته الثقافية وعيشه هذه الرؤية بممارسة حياتية فعالة. فلم لا تسرق " إسرائيل" هذه الكنوز ما دامت تقوم بسرقة ونهب الأرض والبيوت ومحتوياتها. لا تزال آلاف الكتب والوثائق الفلسطينية برزمها في أقبية الجامعة العبرية على سبيل المثال، ولا يوجد اي تصريح رسمي يعترف بهذه الجريمة الثقافية التي ارتكبتها " إسرائيل". هناك نية بتوجه قانوني إلى القضاء الإسرائيلي للإفراج عن هذه الكنوز، ولكن المسألة تحتاج إلى جهود جماعية وتعاون من طرف العائلات صاحبة هذه الكنوز لأنها ملكيات خاصة، في الأساس. ولكن هذا لا يعني انها ليست ملكا للشعب الفلسطيني عامة، إذ إنها نهبت في ظروف عدائية بحتة.
* ـ كيف ينظر كتاب الداخل ونقاده إلى ما يطرح حول مسالة التطبيع مع الكيان الصهيوني .. ؟
أنا شخصيا أفهم جيدا مواقف أفراد وجماعات من أهلنا في البلاد العربية من هذا الموضوع، ونحن ضد اي شكل من أشكال التطبيع، ولكن أن تؤسس علاقات اجتماعية وثقافية وتعاون بين العرب وبيننا نحن فلسطينيو الداخل لا أرى فيه اي شكل من أشكال التطبيع، بل بالعكس أرى فيه مزيدا من المحبة والتعاطف والدعم لوجودنا وصمودنا وبقاءنا. نحن لا نريد أن تستفيد " إسرائيل" من اي محاولة تطبيعية لدعم سياساتها في المنطقة، كل ما نريده هو فهم ظروفنا وخصوصيتنا وتمسكنا بهويتنا العربية وهذا كاف لتأكيد صلاتنا التاريخية والإنسانية مع اهلنا في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه.
* ـ سؤال أخير.. ما هي أهم المشاكل التي يعاني منها مثقفو الداخل الفلسطيني .. وعلى الصعيد الإبداعي، هل تعتبر وجودك في أراضي الـ48 ميزة.. أم أنه حرمك من ميزة ما ..؟
من أبرز المشاكل التي يعاني منها مثقفو الداخل الفلسطيني غياب التنظيم الذي يجمعهم. كل مثقف يبحث عن طريقه لوحده دون ان يتلقى اي مساعدة إلا في النادر. من جهة أخرى تعمل المؤسسة الإسرائيلية على تدجين وتهجين عدد من المثقفين تحت غطاء الثقافة الفلسطينية لوضعهم ضمن حدود رغباتها والتخفيف من حدة توجهاتهم الوطنية والقومية. أضف إلى ذلك عدم وجود دور نشر تعمل على دعم نشر نتاج المثقف المبدع، فيضطر إلى القيام بذلك بقواه الذاتية والظروف الاقتصادية قاسية وصعبة للغاية. وانا أرى أنه من الضروري توفير حيز أوسع ومساحة اكبر للتعبير عن الفكر والثقافة الفلسطينية في الداخل في المحيط العربي القريب على الأقل، اي أن تتاح الفرصة وبطريقة مدروسة وموجهة إلى تبني إبداعات فكرية لفلسطينيي الداخل ونشرها بهدف تعريف العالم العربي عليها. وأنا اعني هنا التواصل المبرمج والممنهج وليس الفردي الذي يقوم به كل شخص بقواه الذاتية. وهذا يعني ضرورة التنظيم والمأسسة، لمساعدة المثقف الفلسطيني في الداخل على البقاء والاستمرار في التعبير عن الذات.
بالنسبة لوجودي أو بقائي في أراضي ألـ 48 ففيه المر وفيه الحلو. المر الذي فيه، أنني مضطر صباح مساء الدفاع عن وجودي وكياني ومستقبلي وهويتي وحضارتي. وأنني مضطر إلى أن أسير وفق قوانين وأنظمة فرضت علي بظروف لست منظمها ولا فاعلها، وأنني أعيش في أجواء متوترة ومتشنجة ومحيط معادي وكاره يرفض وجودي في الأساس ويسعى إلى اقتلاعي.
وأيضا هذا الإطار السياسي المصطنع والمبرمج الذي تكون في العام 1948 حرمني من التواصل مع امتدادي الطبيعي مع أهلي في سائر بلاد الشام وشمالي افريقيا وغيرها. بمعنى آخر قطع حبل الصلة مع هذا الامتداد التاريخي والوجودي عبر آلاف السنين.
ولكن ميزة بقائنا في ظل المشروع الصهيوني أنني استطيع أن أدافع عن أرضي من موقعي، وأنني استطيع أن أقارع هذا المشروع من الداخل، وأنني استطيع ان انقل إلى العالم العربي من خلال علاقة يومية جارية ما يمكن ان يضيء الأنوار على ماهية هذا المشروع وكيف يعمل وما هي رؤاه وتوجهاته السياسية والعسكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وهذه الميزة يجب ان تستثمر جيدا من قبل جهات عربية سياسية كانت أو غيرها، ومن قبل مؤسسات بحثية على وجه الخصوص.