الثلاثاء، 22 يوليو 2014

إفلاس بنك الأهداف الاسرائيلي عند بوابة غزة


إفلاس بنك الأهداف الاسرائيلي عند بوابة غزة

 

جوني منصور

 

عشية إنطلاق اي جيش في العالم إلى عملية عسكرية ضد عدوه تضع القيادة العامة لهذا الجيش خطة حربية مؤسسة على أهداف واستراتيجية وطرق تطبيق وإخراج الخطط إلى حيز الوجود. وتتوقع نتائج معينة من بينها الخسائر في الأرواح(تقديرية) والمعدات، والتكلفة العامة. والأبرز في هذه الخطة قائمة الأهداف التي سيقوم الجيش بتصفيتها والقضاء عليها تمهيدا لتحقيق نصر أو نجاح في خطته. هذا الكلام في باب التنظير العسكري وينسحب على كل جيوش العالم النظامية، أو التي تبغي السير في تنظيم وحداتها وخططها. وتأخذ الخطة العامة بالحسبان الامتناع عن ضرب الأهداف المدنية، لأنه وفقا للعرف العسكري العالمي فإن المدنيين هم خارج اللعبة العسكرية، وكذلك المواقع التي يقيمون فيها ويمارسون حياتهم اليومية. لكن في الحديث عن الجيش الاسرائيلي يختلف الأمر، من منطلق ان اسرائيل تعتبر نفسها فوق اي قانون وعرف عالمي/دولي. وذريعتها أنها تريد أن توفر لنفسها ولمواطنيها الأمن والأمان والهدوء وبأي ثمن كان. هذا ما قامت به في حروبها ضد العرب والفلسطينيين بوجه خاص، وهذا ما تقوم به في حربها الاجرامية على قطاع غزة.

عشية العملية العسكرية الأخيرة والتي تسميها اسرائيل"الصخر الصامد" بدأت ماكنتها الاعلامية المجندة كليا لخدمة الأهداف السياسية والعسكرية بالترويج لموضوع الخطر الحياتي الداهم على الاسرائيليين في جنوب اسرائيل، وأن مواطنيها لا يعرفون النوم، ولا يهنئون بحياتهم العادية، جراء خطر الصواريخ والقذائف من غزة. وارتفعت وتيرة الترويج والتمهيد للحرب الاسرائيلية العدوانية على غزة من خلال تصوير حركة المقاومة في غزة بأنها إرهابية وتسعى إلى محو اسرائيل وقتل أطفالها. واستمرت هذه الماكنة الاعلامية المجندة في تصوير القطاع بأنه صندوق من المتفجرات بكل ما يحويه من بشر وشجر وحجر. وارتفعت بعض الاصوات المنادية إلى اجتياح غزة وسحق المقاومة، بل استمعنا إلى أصوات اسرائيلية متطرفة تنادي باحتلال غزة ومحوها عن وجه البسيطة كليا. اصوات تتناغم مع الفكر السياسي والرؤية العسكرية التوسعية الاسرائيلية.

واستجابة لهذا الفكر وضع ربابنة الجيش الاسرائيلي قائمة من الأهداف أطلقوا عليها اسم "بنك الأهداف". والخطة المرسومة تحليق الطيران الاسرائيلي في سماء غزة وقصف مشدد وكثيف في اليوم الأول لعدد من الأهداف بغية دفع المجتمع الفلسطيني في غزة إلى الضغط على قيادة المقاومة لتسلم نفسها وترضخ لمطالب الاسرائيلية الاستسلامية. لكن القصف الجوي المجرم استمر لأكثر من يوم، ويومين وثلاثة واسبوعين والمقاومة استمرت في التصدي لها بقصف العمق الاسرائيلي بصواريخ من عدة أنواع. ما هي الأهداف التي قصفها الطيران الاسرائيلي؟ من يتفحص اسماء المواقع التي تم قصفها يتبين له انها مبان سكنية، مستوصفات، ومستشفيات، محلات تجارية، مؤسسات مدنية كدوائر حكومية خدمية، محطات لتوليد طاقة كهربائية، مجمعات سكنية مزدحمة... ولينتبه كل واحد منا، أن اسرائيل لم تعلن اسم اي موقع قصفته... وبلغ عدد الأهداف التي تم قصفها في الايام الثلاثة الاولى قرابة ثمانمائة هدف. لدرجة أن احد قياديي الجيش صرح أنه لم يعد هناك أهداف، ولكن مع كل هذا سيستمر الطيران بالتحليق والقصف. قصف ماذا يا ترى بعد افلاس البنك من اهدافه؟ هنا لا بد لنا من الاشارة إلى غرق القيادة السياسية والعسكرية الاسرائيلية بارتباك الشديد لإدراكهم ان غزة لن تستسلم ولن تركع ولن ترفع الراية البيضاء. وهكذا قررت اسرائيل اجتياح غزة برا، وهي تعلم أن هذه هي الخطة الأصعب. وروجت لهذه العملية اعلاميا، وانها مصيرية للشعب في اسرائيل وان العالم كله يؤيدها، وأن واجب الحكومة في اسرائيل القيام بها.  لكن كيف يمكن للجيش الاسرائيلي البري اجتياح غزة، وأمامه مقاومة شديدة؟ لجأ إلى تهديد اهالي حي الشجاعية آمرا اياهم بإخلاء بيوتهم بذريعة ان تحتها انفاق يريد تصفيتها. ولما لم ينجح الجيش في تحقيق هدفه، بدأ طيرانه بقصف عشوائي للحي مخلفا قتلى وجرحى بالمئات. إلى درجة تنفيذ مجزرة رهيبة هي أقرب إلى مجزرة صبرا وشاتيلا إن لم يكن إلى مجازر فاشية جرت في مواقع اخرى من العالم في زمن ماض. لقد تم ترحيل عشرات الآلاف من سكان الشجاعية المدنيين والأبرياء، وبالتالي تدمير بيوتهم كي لا يعودوا إليها. وعندها تدخل جرافات الاحتلال لتجرف المنطقة بأكملها لتتسع مساحة الحيز الفارغ بحجة ضمان عدم تسلل المقاومين إلى اسرائيل.

كل هذا يفضي بكل تأكيد إلى إفلاس حاد وواضح لبنك الأهداف الاسرائيلي نحو غزة، وانتقال القيادتين السياسية والعسكرية في اسرائيل إلى قصف وضرب أهداف مدنية كالتي تم ذكرها أعلاه.

من هنا ندرك تمام الإدراك، أن بنك الأهداف الذي وضعته القيادة العسكرية الاسرائيلية ليس عسكريا، إنما مدني وذلك نابع من فكر إجرامي/اقتلاعي ميز ويميز الحروب التي شنتها اسرائيل على العرب عامة. وعليه، فإن بنك الاهداف هذا قد فرغ ولم يعد فيه اي رصيد تستند إليه القيادة الاسرائيلية. وبما أنه ليس لديها اي استعداد لإعلان ذلك، فإنها مستمرة في غيها، وفي بطشها وقتلها للأبرياء من ابناء الشعب الفلسطيني في غزة.

هكذا، نجد أن بنك الأهداف الذي كان الاسرائيليون يتخيلون أنه سيوفر لهم عمق استراتيجي ومناعة عسكرية قد انهار بالكلية امام المقاومة الفلسطينية التي تستمر في تصديها الابتكاري للعمليات الاجرامية التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي.

للمرة الثانية خلال أقل من عقد من الزمن يتحطم بنك الأهداف الاسرائيلي كليا. المرة الأولى في 2006 عند بوابة الضاحية الجنوبية في لبنان، والثانية في 2014 عند بوابة غزة. 

الاثنين، 21 يوليو 2014

غزة 2014 ، فلسطين 1948 مشهدان متشابهان


غزة 2014 ، فلسطين 1948  مشهدان متشابهان

 

بقلم: جوني منصور

 

مشاهد الأشلاء المنتشرة في حي الشجاعية في غزة مؤلمة، بل أكثر من مجرد مؤلمة، إنها افظع جريمة تقترفها يد تدعي الأخلاقية والانسانية والحفاظ على  أرواح البشر.

إن لجوء القيادتين السياسية والعسكرية في اسرائيل(وهما واحدة بنظري) إلى ترحيل اهالي الشجاعية، ما هو إلا تأكيد صريح على النهج الذي استعملته وتستعمله الصهيونية وحكومات اسرائيل تجاه شعبنا الفلسطيني. ففي العام 1948 نفذت المنظمات العسكرية الصهيونية الهاغاناه والارغون وليحي وشتيرن وبالماح وسواها الاسلوب ذاته. تهديد الأهالي في القرى والمدن، توزيع مناشير تدعوهم إلى ترك قراهم ومدنهم لتقوم هذه المنظمات بتطهيرها من الارهابيين(وفق ادعاءاتها)، وبث نشرات اخبارية بالعربية عبر إذاعاتهم تبشرهم بالنار إذا لم ينصاعوا لاوامرهم.

ونفذت هذه المنظمات المجرمة فظائع وجرائم بحق الأهالي العزل من السلاح، راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين(مجازر دير ياسين، عيلبون، الصفصاف، الطنطورة...). ونفذت اضخم عملية تطهير عرقي في تاريخ المنطقة قاطبة، حيث هجّرت ورّحلت بالقوة والعنف مئات آلاف الفلسطينيين عن ديارهم ومواطنهم الأصلية، وحولتهم بين ليلة وضحاها إلى لاجئين فاقدين لأملاكهم وأراضيهم وتاريخهم وعلاقتهم بالمكان. 

كل ذلك من اجل ضمان أمن اسرائيل _ الدولة الفتية الجديدة – وأمن مواطنيها الذين يصعب عليهم العيش في ظل ارهابيين!!.

هذا ما تفعله اسرائيل بغزة في هذه الاسابيع من بطش وقتل وتدمير. تدمير مئات بل آلاف البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وتهجيرهم منها. قتل الأبرياء من المدنيين أطفال ونساء وشيوخ. هو الاسلوب ذاته تستعمله اسرائيل مع اهالي الشجاعية في غزة، وهم اصلا لاجئون من قرى قضاء غزة من العام 1948.

لماذا تلجأ اسرائيل إلى مثل هذا الاسلوب؟ سؤال يحتم علينا دراسة معمقة لنفسية وتوجهات متخذي القرارات في حكومة اسرائيل ومجلس القيادة العسكرية؟ من خلال متابعات مستمرة، وبخاصة متابعة حروب اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني مباشرة في لبنان وفي الضفة الغربية وفي غزة يتبين أن جيشها – جيش اسرائيل – لم يعد بإمكانه خوض حروب مقابل جيوش دول في المنطقة. وذلك نابع من مكونات عدة يتعلق بعضها به وبعض ىخر بغيره. فما يتعلق بغيره أن مصر والاردن قد توصلتا إلى ابرام تسويات مع اسرائيل فزال الخطر الفعلي والمباشر من جبهتين طويلتين من حيث الامتداد ومن حيث القوة العسكرية. بقيت الجبهة مع سوريا، وهي غير نشطة في ظل الازمة السورية . اما على الجبهة اللبنانية فتواجه اسرائيل حركة المقاومة حزب الله. ولقد لقنت حرب 2006 اسرائيل دروسا عميقة في التعامل مع الورقة اللبنانية. لكن، من يتطلع إلى كيفية تسديد اسرائيل ضرباتها نحو لبنان وبخاصة نحو الضاحية الجنوبية في بيروت، ودعوتها اهالي الجنوب إلى ترك مواقع سكناهم، يجد انه الاسلوب ذاته. معنى ذلك، تفريغ المنطقة من سكانها وهذا بحد ذاته تطهير عرقي يوجب محاكمة دولية بمستوى جريمة حرب، ومن ثم تدمير المنطقة وخاصة البنى التحتية منعا لعودة سكانها. وهذا ما فعلته اسرائيل في العام 1948، حيث اجبرت الفلسطينيين بالعنف الشديد إلى ترك مواقع سكناهم وحياتهم، ومن ثم باشرت بأوامر باتت معروفة لكل العالم، بتدمير القرى والمدن العربية منعا لعودة الفلسطينيين إليها.

وهذا ما تخطط له اسرائيل في الشجاعية بذريعة أن انفاقا كثيرة تحت بيوت الناس وعليها ان تفجرها وتدمرها فتدعوهم إلى تركها صونا لحياتهم. واهالي الشجاعية كباقي اهالي غزة لا حول لهم ولا قوة يبحثون عن طرق النجاة وهي قليلة للغاية، فتنزل على رؤوسهم القنابل الكيماوية والقذائف المدمرة وتطال الأطفال والنساء والشيوخ العزل والابرياء.

وفيما لو تمكنت اسرائيل من تفريغ كلي للشجاعية، ومن ثم تسديد ضربة للمقاومة الفلسطينية فستقوم بهدم كلي وتجريف لأراضي الشجاعية. هذا ليس تحليل فقط، بل تمني من قبل قيادات اسرائيلية تعلنها صباح مساء من على وسائل الاعلام المختلفة.

لهذا نستدل من هنا ان اسرائيل تجابه خطرا كبيرا من احد الفصائل الفلسطينية، وهذا يهدد كيانها ووجودها. وأنها لا تحارب عسكريا، إنما تدميريا. وهذا يعني ان جيشها تدميري وليس قائما وفق اسس العسكرية المعروفة في العالم. وبالطبع فإن مقولات ربابنة اسرائيل من سياسيين وعسكريين ان الحرب هي الحرب، لا اساس لها من الصحة مطلقا. فمحاربة المدنيين ليست إلا جريمة حرب بل جريمة بحق الانسانية. وهذا ما يجري في غزة.

إذًا، ينتظر العالم وقوع المأساة الكبرى، ليتحرك، أو ليتفرج.

أمر الساعة هو رفع صرخات مدوية(وهذا أقل الايمان) بوجه العالم العربي والاسلامي والغربي لوقف سيول الدماء البريئة والطاهرة لأهل غزة أبطال العالم. على العالم التحرك فورا، ومن مختلف الأطر الانسانية والسياسية والاجتماعية والثقافية والدينية لوقف حمام الدم الحاصل في غزة. وعلى العالم أن يدرك حقيقة واحدة نراها مهمة، أنه لن يتمكن احد من تركيع أهالي غزة، الذين اختبروا أكثر من اي شعب في العالم خبرات الموت، وهم اليوم يدافعون بقوة وحزم عن حقهم في الحياة في وطنهم.

قد نختلف مع توجهات حماس الفكرية واي فصيل فلسطيني آخر، إلا ان امر الساعة يطلب منا الوقوف صفا واحدا في وجه من عمل ويعمل على شق الصف الفلسطيني. وهذه الحرب التي تشنها اسرائيل على شعبنا في غزة تندرج تحت باب منع الوحدة والوفاق الوطني الذي تم قبل شهرين تقريبا بين ابناء الشعب الواحد.      

إن صمود غزة لأسبوعين إلى الآن، هو مدرسة عظيمة في مواجهة الاحتلال والاستعمار ومؤيديه من ذوي القربى والغربة. طوبى لك يا غزة الصمود، وطوبى لكم ايها الغزيون على صمودكم البطل.

مسيحيو الموصل يودعون مدينتهم التي يحبون


مسيحيو الموصل يودعون مدينتهم التي يحبون

 
بقلم: جوني منصور





ترتكب يوميا آلاف الجرائم بحق الانسان والانسانية، لدرجة جرائم الحرب الكبرى، كتلك التي ترتكبها اسرائيل بحق الشعب الشجاع والبطل في قطاع غزة. لكن لأن ترتكب جريمة من نوع آخر كتلك التي تحدث في الموصل، هذا امر لم يحدث من قبل، ولا بالشكل الذي يحدث الآن. نعني بهذا الكلام، إصدار "داعش" امرها إلى مسيحيي الموصل في العراق إما اعتناق الاسلام، او دفع الجزية أو ترك الموصل أو الموت قتلا بالطريقة التي تراها داعش مناسبة.

إن هذه الخطوة التي اعلنت عنها داعش والتي ادت إلى تفريغ كامل للموصل من مسيحييها تأتي في سياق الحملات الارهابية التي تقوم بها هذه الحركة الهدامة والمجرمة بحق الانسان المسيحي والمسلم (غير المتفق مع فكرها التكفيري)على حد سواء.

فالحركة التي نقشت على رايتها الشهادتان، لا تشهد إلا للموت في سبيل معتقدات تكفيرية مجرمة لم تشهد مثلها المنطقة من قبل. فلا يكفي المصائب التي تحل يوميا على منطقة الشرق الاوسط، وتوالي الويلات، حتى ظهرت هذه الحركة الهدامة الساعية ليس فقط إلى قلب انظمة حكم وتدمير العمران، وقتل الانسان، إنما إلى إعلان الخلافة على طريقتها الخاصة، وهي ترفض بقاء اي شخص مختلف  في دينه ومعتقده وتوجهاته الحياتية في ظل دولة الخلافة الاسلامية.

هذه الحركة الهدامة بعيدة كل البعد عن الاسلام الحق والسمح، الذي عبر اربعة عشر قرنا ونيف تعايشت معه الاديان الأخرى كالمسيحية واليهودية بطوائفها المختلفة. عرفت المسيحية كيفية العيش في ظل حكم دول اسلامية متعددة عبر العصور، ولم يحدث ولو لمرة ان طًلب من مسيحيي بلد الخروج منه او تركه او تهديده بالقتل. ما الفرق بين ما تقوم به داعش في الموصل واسرائيل في غزة خلال عدوانها الآثم على الشعب الفلسطيني الجريح والمتألم؟

باعتقادنا ان التشابه كبير بين داعش ومنهجية اسرائيل في الاقتلاع والترحيل والابادة البشرية والحضارية لشعب او مجموعة شعوب تعيش في منطقة الشرق الاوسط من آلاف السنين.

مسيحيو الموصل، لمن  لا يعرف، هم من أهل العراق – بلاد ما بين النهرين – الاصليين، اي ان تاريخ وجودهم في العراق يعود إلى آلاف السنين. فهم البابليون والكلدانيون والاشوريون والسومريون وغيرهم من الشعوب والاجناس التي سكنت تلك البلاد وساهمت في إعمارها وتنميتها ثقافيا وفكريا واجتماعيا واقتصاديا وعلميا.  مسيحيو العراق هم مكون اساس من الشعب العراقي عموما، يقومون بواجباتهم المدنية والوطنية تجاه وطنهم أُسوة بباقي العراقيين. ولعبوا دورا بارزا عبر الأزمان في بناء العراق وتعزيز مكانته في الشرق الاوسط وفي العالم. وليس المكان هنا لذكر اسماء شخصيات وأعلام سياسيين ومثقفين واجتماعيين واقتصاديين، إنما بودنا الإشارة إلى ضعف النظام السياسي في العراق في الحيلولة دون تفكيك المجتمع العراقي من خلال ترحيل المسيحيين في الموصل إلى خارج وطنهم أو قبولهم الاسلام. وبودنا الاشارة أيضا إلى عجز آخر للنظام العربي والاسلامي المعتدل في مواجهة هذا المد التكفيري الذي اصبح منتشرا في سوريا والعراق، وواقفا على ابواب دول أخرى بانتظار لحظة الانقضاض عليها. فويل لأمة لا توفر الأمن والأمان لمواطنيها، وخاصة تلك غير المسلمة. كما قلنا، عاش المسيحيون واليهود(إلى عام 1948) بين مواطنيهم المسلمين في البلاد العربية والاسلامية باحترام فائق، وصون لكرامتهم لدرجة لم تشهد مثلها اي دولة ديموقراطية. والتاريخ يوفر لنا الشهادات والوثائق الكثيرة لحالة العيش المشترك المؤسس على الاحترام والتعاون والسعي معا من اجل بناء مجتمع راق ومزدهر.

إن ترحيل مسيحيي الموصل، ومن قبل مسيحيي نينوى لهو جريمة كبرى بحق شرائح عريقة من الشعب العراقي. ترحيل المسيحيين من الموصل سيجر ورائه موجة اخرى من موجات هجرة المسيحيين العراقيين من وطنهم الجريح. إن نزيف الهجرة مفتوح بقوة، وتسيل منه دماء كثيرة، هي هجرة أبناء الوطن الاصليين، اصحاب البلاد، من ساهم في بنائها. وتأتي موجات الهجرة هذه جراء حركة تكفيرية مجرمة وسفاحة ستأتي على الأخضر واليابس. ولن توفر حركة داعش والحركات الاخرى مثيلاتها من ضرب اعناق مخالفيها في العقيدة والرأي، حتى من بين المسلمين.

كان عدد المسيحيين من سكان العراق حتى الاجتياح الامريكي والغربي قرابة مليون نسمة، من اصل عشرين مليونا. أما اليوم(2014) لم يبق منهم سوى ثلاثمائة الف فقط. وهؤلاء بجلهم مرشحون  لهجرة اوطانهم التي ولدوا فيها واحبوها، لا لسبب إلا لأنهم مسيحيين. لا لسبب إلا لأنهم متمسكون بإيمانهم، ويريدون العيش مع اخوانهم المسلمين سوية ومعا ومن اجل المستقبل. ولا لسبب إلا لأنهم لم يجدوا في وطنهم من يحميهم ويجعل حياتهم مستقرة وهادئة.

ما هو مطلوب من الشعوب العربية قبل الحكومات اجتثاث هذه الحركة الهدامة والمجرمة بكل قوة، ومحوها بل سحقها بالتمام من وجه الأرض، لأن ويلاتها ستأتي على غير المسيحيين كما أتت على المسيحيين في العراق وفي جزء من سوريا العربية الصامدة. فهل يتعظ حكام البلاد العربية مما يحدث في الموصل خاصة والعراق عامة؟