احمد دحبور
ما كتبه احمد دحبور عن كتابي شوارع حيفا العربية
بطاقة تعريفية : أحمد دحبور شاعر
فلسطيني ولد في حيفا عام 1946 ونشأ ودرس في مخيم حمص للاجئين الفلسطينيين في مدينة
حمص بعد أن هاجرت عائلته إلى لبنان عام 1948 ثم إلى سورية. له دواوين شعر كثيرة ومساهمات جليلة في المشهد الثثقافي الفلسطيني.
دمعة
الاربعاء-
د. جوني منصور دليل الفلسطيني المشتاق الى شوارع حيفا
د. جوني منصور دليل الفلسطيني المشتاق الى شوارع حيفا
في هذه الايام، والجرح الفلسطيني مفتوح على اوسع مدى، في
الذكرى الستين لوقوع النكبة، تنهض مدينة حيفا
برأسها البحري، وكرملها الشامخ الاسير، ومينائها وشوارعها واحيائها، لتفاجئ
نفسها واهلها المشردين والباقين، بأنها لا تزال درة فلسطين،
وان العلاقة الحميمة بين حجارتها وعظام ابنائها، لا تزال تفتقد الاسى
والحزن، فلا يحن اليها الشيوخ والعجائز وحدهم، وكيف يحنون اليها وهي فيهم؟
بل تجري مجرى الدم في العروق من اجيالها
الجديدة، سواء اخرجوا منها وهم ابناء عامين، من امثالي، ام
انهم ولدوا على مبعدة منها في منافي الله القريبة والبعيدة، كابني
وحفيدي.
ولحيفا الساكنة المسكونة، ساكنة الروح والذكرى والدمعة غير العصية، حراس يحفظونها كأي غال عزيز، وينقلونها امانة ثمينة من انفسهم الى انفسهم، هؤلاء الحراس هم سكانها العرب الفلسطينيون الذين يسكن الكرمل فيهم وعلى اهدابهم عشب الجليل، بشهادة محمود درويش، ويختلفون على يوم سقوطها باختلاف تواريخ نفيهم عنها، واذا صادفت حيفاويا يصر على ان يوم نكبته هو الحادي والعشرون من نيسان قبل ستين عاما، فاعلم انه خرج منها في ذلك اليوم، واذا اكد اخر ان السقوط كان في الثاني والعشرين منه، فاعلم انه يوم سقوطه من جنتها، وهكذا تتدحرج كرة النار حتى تصل الى الثالث والعشرين والرابع والعشرين من نيسان، ويقول لك ابني المولود في مدينة حمص السورية، المولودة امه في قرية البيضا اللبنانية، المقيم واسرته الصغيرة في سكرمنتو الاميركية، انه حيفاوي ابن حيفاوي حفيد حيفاويين ابا عن جد، ليس هذا شجنا ودمعة اربعاء- وللمناسبة: يؤرخ ابي سقوط حيفا بيوم اربعاء- بل هو تاريخ يجثم على القلب وعصب الروح الى ان ينعدل التاريخ.
وسط سيرة ملحمة المأساة هذه، يدلف الى عيني وقلبي ووجداني كتاب د. جوني منصور - شوارع حيفا العربية- والعربية مضمونة بوصفها صفة للشوارع، فإذا غيرت النكبة هوية مدينتنا الى حين، فإن اهل مدينتنا، يحافظون على عروبتها بأسماء شوارعهم مبدئيا، كما يدل على هذا كتاب د. جوني.
ولأن هذا الكتاب هو دليل الفلسطيني المشتاق الى شوارع حيفا العربية، فقد طبع مؤلفه قبلة على روحي، عندما استشهد على الغلاف الاخير، بشهادة لي وسط شهادة شاعرنا الكبير محمود درويش وشهيدنا الغالي غسان كنفاني.
فإذا بالكتاب يخرج من حيثيته كورق وحبر ويتحول الى ايقونة معززة بالاسى الحلو على حد تعبير للشاعر توفيق صايغ، فهل ما سأفعله الان هو اعادة قراءة الكتاب؟ ام تصفح لجرح مديد؟ ام استذكار لما هو عصي على النسيان؟ لست ادري على وجه اليقين، واذا كنت ادري فهل يغنيني ورق الدنيا عن وقفة في حي وادي النسناس الذي لا يزال واقفا ينادي؟.
ولحيفا الساكنة المسكونة، ساكنة الروح والذكرى والدمعة غير العصية، حراس يحفظونها كأي غال عزيز، وينقلونها امانة ثمينة من انفسهم الى انفسهم، هؤلاء الحراس هم سكانها العرب الفلسطينيون الذين يسكن الكرمل فيهم وعلى اهدابهم عشب الجليل، بشهادة محمود درويش، ويختلفون على يوم سقوطها باختلاف تواريخ نفيهم عنها، واذا صادفت حيفاويا يصر على ان يوم نكبته هو الحادي والعشرون من نيسان قبل ستين عاما، فاعلم انه خرج منها في ذلك اليوم، واذا اكد اخر ان السقوط كان في الثاني والعشرين منه، فاعلم انه يوم سقوطه من جنتها، وهكذا تتدحرج كرة النار حتى تصل الى الثالث والعشرين والرابع والعشرين من نيسان، ويقول لك ابني المولود في مدينة حمص السورية، المولودة امه في قرية البيضا اللبنانية، المقيم واسرته الصغيرة في سكرمنتو الاميركية، انه حيفاوي ابن حيفاوي حفيد حيفاويين ابا عن جد، ليس هذا شجنا ودمعة اربعاء- وللمناسبة: يؤرخ ابي سقوط حيفا بيوم اربعاء- بل هو تاريخ يجثم على القلب وعصب الروح الى ان ينعدل التاريخ.
وسط سيرة ملحمة المأساة هذه، يدلف الى عيني وقلبي ووجداني كتاب د. جوني منصور - شوارع حيفا العربية- والعربية مضمونة بوصفها صفة للشوارع، فإذا غيرت النكبة هوية مدينتنا الى حين، فإن اهل مدينتنا، يحافظون على عروبتها بأسماء شوارعهم مبدئيا، كما يدل على هذا كتاب د. جوني.
ولأن هذا الكتاب هو دليل الفلسطيني المشتاق الى شوارع حيفا العربية، فقد طبع مؤلفه قبلة على روحي، عندما استشهد على الغلاف الاخير، بشهادة لي وسط شهادة شاعرنا الكبير محمود درويش وشهيدنا الغالي غسان كنفاني.
فإذا بالكتاب يخرج من حيثيته كورق وحبر ويتحول الى ايقونة معززة بالاسى الحلو على حد تعبير للشاعر توفيق صايغ، فهل ما سأفعله الان هو اعادة قراءة الكتاب؟ ام تصفح لجرح مديد؟ ام استذكار لما هو عصي على النسيان؟ لست ادري على وجه اليقين، واذا كنت ادري فهل يغنيني ورق الدنيا عن وقفة في حي وادي النسناس الذي لا يزال واقفا ينادي؟.
تواريخ معبدة
يبدأ الكتاب بست صور تاريخية لشوارع من حيفا، ويستوقفني منها، على الخصوص ملتقى شارع ألنبي بشارع الجبل، لا لأنه الاقرب الى مسقط رأسي، بل لما يحمله شارع الجبل، بموقعه واسمه ومعناه من دلالات، فهذا الشارع الطويل المهيب المنحدر من جبل الكرمل الى عتبات الشاطئ، اطلق عليه اهل حيفا، لا يعرفون منذ متى، اسم شارع الجبل، وكأن الجبل واسمه قد ولدا معا، وحين وقعت النكبة واعترفت هيئة الامم المتحدة بالكيان الذي توهم انه حل محل فلسطين، اطلق المحتلون على الشارع اسما دخيلا: شارع الامم، لكن اهل حيفا ظلوا ينادونه باسمه السرمدي: شارع الجبل، وظل هذا هو واقع الحال حتى عام 1965، عندما اصدرت الجمعية العامة في الامم المتحدة بيانا يعتبر الصهيونية من اشكال العنصرية، فأقدم حكام تل ابيب على انزال العقوبة بالمنتظم الاممي، فحذفوا اسم الامم عن شارع الجبل، واطلقوا عليه اسم شارع الصهيونية، وظل اهل حيفا ينادونه باسمه الخالد: شارع الجبل، ولا حيلة للمشروع الصهيوني في الرد على عناد الطبيعة والناس، فالجبل باق والناس باقون، وقد تعرفت على هذا الشارع الذي خرجت منه وانا ابن عامين، فعرفته لا بقوة ذاكرتي، اذ لم يبلغ بي الهوس حد جنون العظمة، بل بقوة ذاكرة التاريخ العابرة للزمن، واذا كان لشارع الجبل هذه القصة المستدامة، فإن الصورة المأخوذة، في هذا الكتاب، لشارع ستانتون، قد اوجعت فرحي، اذ تذكرت، على الفور ما كان يردده ابي علينا من شارع ستانتون كان فيه بيت آل الحسن، وكان يعيد تأكيد هذه الحقيقة كلما رأى صوة للقائد الفلسطيني الراحل خالد الحسن، ويقول د. جوني منصور في مطلع كتابه هذا، ان حيفا شهدت ظاهرة اطلاق الاسماء المدونة على معالمها منذ اواخر العهد العثماني، وان التسميات كانت تقتصر على الاحياء والحارات والمناطق، مثل ارض الرمل، وحارة اليهود، ومحلة المناظر، ومحلة المفخرة، والبوابة الشرقية، وحي وادي الصليب.
واضيف ان جامع الاستقلال الذي انطلق منه الشيخ الشهيد عز الدين القسام، كان يطل على طرف وادي الصليب، فيا للصليب الذي يتأبط يد الجامع والشيخ، وتلك مأثرة حيفا على التاريخ، وجامع الاستقلال، للمناسبة، هو الجامع الوحيد الذي تحتاج الى درج لترقى اليه، فهو طابق ثان، او بناء قائم على حواصل ومصالح وحوانيت عادية، وتلك، ايضا وايضا، من مآثر حيفا التي توحد بين ارزاق الناس واهتماماتهم الروحية.
وقد بادر اهل حيفا الى تشكيل لجنة لتسمية الشوارع سنة 1934، تضم في عضويتها شخصيتين على علاقة بالادب والتاريخ، هما وديع البستاني وعبد الله المخلص، وهذا ما يفسر كثرة الاسماء الادبية والتاريخية على الشوارع القديمة، الا ان حكومة الانتداب عينت لجنة لهذا الغرض تضم الصهيوني دافيد هكوهين، وظل اهل حيفا يطالبون بمطابقة اسماء الشوارع لواقع الحال، فمن غير المقبول ان يتم اطلاق اسم غريب على حي او شارع او موقع عربي.
يبدأ الكتاب بست صور تاريخية لشوارع من حيفا، ويستوقفني منها، على الخصوص ملتقى شارع ألنبي بشارع الجبل، لا لأنه الاقرب الى مسقط رأسي، بل لما يحمله شارع الجبل، بموقعه واسمه ومعناه من دلالات، فهذا الشارع الطويل المهيب المنحدر من جبل الكرمل الى عتبات الشاطئ، اطلق عليه اهل حيفا، لا يعرفون منذ متى، اسم شارع الجبل، وكأن الجبل واسمه قد ولدا معا، وحين وقعت النكبة واعترفت هيئة الامم المتحدة بالكيان الذي توهم انه حل محل فلسطين، اطلق المحتلون على الشارع اسما دخيلا: شارع الامم، لكن اهل حيفا ظلوا ينادونه باسمه السرمدي: شارع الجبل، وظل هذا هو واقع الحال حتى عام 1965، عندما اصدرت الجمعية العامة في الامم المتحدة بيانا يعتبر الصهيونية من اشكال العنصرية، فأقدم حكام تل ابيب على انزال العقوبة بالمنتظم الاممي، فحذفوا اسم الامم عن شارع الجبل، واطلقوا عليه اسم شارع الصهيونية، وظل اهل حيفا ينادونه باسمه الخالد: شارع الجبل، ولا حيلة للمشروع الصهيوني في الرد على عناد الطبيعة والناس، فالجبل باق والناس باقون، وقد تعرفت على هذا الشارع الذي خرجت منه وانا ابن عامين، فعرفته لا بقوة ذاكرتي، اذ لم يبلغ بي الهوس حد جنون العظمة، بل بقوة ذاكرة التاريخ العابرة للزمن، واذا كان لشارع الجبل هذه القصة المستدامة، فإن الصورة المأخوذة، في هذا الكتاب، لشارع ستانتون، قد اوجعت فرحي، اذ تذكرت، على الفور ما كان يردده ابي علينا من شارع ستانتون كان فيه بيت آل الحسن، وكان يعيد تأكيد هذه الحقيقة كلما رأى صوة للقائد الفلسطيني الراحل خالد الحسن، ويقول د. جوني منصور في مطلع كتابه هذا، ان حيفا شهدت ظاهرة اطلاق الاسماء المدونة على معالمها منذ اواخر العهد العثماني، وان التسميات كانت تقتصر على الاحياء والحارات والمناطق، مثل ارض الرمل، وحارة اليهود، ومحلة المناظر، ومحلة المفخرة، والبوابة الشرقية، وحي وادي الصليب.
واضيف ان جامع الاستقلال الذي انطلق منه الشيخ الشهيد عز الدين القسام، كان يطل على طرف وادي الصليب، فيا للصليب الذي يتأبط يد الجامع والشيخ، وتلك مأثرة حيفا على التاريخ، وجامع الاستقلال، للمناسبة، هو الجامع الوحيد الذي تحتاج الى درج لترقى اليه، فهو طابق ثان، او بناء قائم على حواصل ومصالح وحوانيت عادية، وتلك، ايضا وايضا، من مآثر حيفا التي توحد بين ارزاق الناس واهتماماتهم الروحية.
وقد بادر اهل حيفا الى تشكيل لجنة لتسمية الشوارع سنة 1934، تضم في عضويتها شخصيتين على علاقة بالادب والتاريخ، هما وديع البستاني وعبد الله المخلص، وهذا ما يفسر كثرة الاسماء الادبية والتاريخية على الشوارع القديمة، الا ان حكومة الانتداب عينت لجنة لهذا الغرض تضم الصهيوني دافيد هكوهين، وظل اهل حيفا يطالبون بمطابقة اسماء الشوارع لواقع الحال، فمن غير المقبول ان يتم اطلاق اسم غريب على حي او شارع او موقع عربي.
معركة الرسائل
يتضمن تاريخ بلدية حيفا، معركة شبه صامتة كانت تدور على اوراق الرسائل، فكثيرا ما كان يقوم بعض الوجهاء والشخصيات العامة بتوجيه رسائل الى البلدية، لتغيير اسم شارع، او اقتراح اسم جديد، وكانت بعض هذه الاقتراحات تحظى بالقبول، فيما يتجاهل المعنيون بالامر بعض الطلبات من ذلك ما يورده المؤلف كواقعة احتجاج من اهالي حي محلة البلان، الواقعة خلف شارع العراق، على اطلاق اسم يهودا هليفي على شارع سكناهم الذي يسكنه فلسطينيون، اغلبيتهم من المسلمين، وقد اقترحوا اسم شارع الامين مراعاة لشعور السكان، ولكون المحلة عربية صرفة وليس فيها اي اجنبي، ويقول د. جوني منصور ان طلب اهل المحلة لم يلق استجابة لا آنذاك ولا اليوم، ويؤكد ان صراعا شديدا وقع حول موضوع تسميات بعض الشوارع او تبديل اسمائها، وان بعض المؤسسات والشخصيات المعروفة في حيفا قد قادت هذا الصراع.
من ذلك رسالة الوجيه الحيفاوي اميل بوتاجي يوم 24-5-1943 الذي خاطب البلدية مطالبا بتغيير اسم شارع دولفين الى اسم بوتاجي، ودعواه في ذلك وقوع املاكه في تلك الجهة ومركز اشغاله - ونظرا لكون عائلتنا من ابناء حيفا والمولودين فيها لم يتوانوا عن خدمة هذا البلد العزيز- وتضيف الرسالة: سبق ان اطلقتم اسماء على شوارع لاشخاص اجانب وقد هبطوا هذه البلاد ولم يؤدوا خدمات لهذا المحيط، ومن دواعي دهشتنا واستنكارنا اننا نراكم اطلقتم اسم دولفين على الشارع المذكور وهو اسم اجنبي يجهله رجل الشارع ويتعذر عليه فهم صلة هذا الرجل مع مدينة عربية.
ومع ان صاحب هذه الرسالة قد وجهها ايضا الى حاكم لواء حيفا مؤرخة بـ 10-6-1943، الا انه لم ينل جوابا شافيا، وهذا طبيعي ما دامت البلدية وحاكم اللواء تابعان لسياسة الانتداب البريطاني، الا ان اللافت في هذه الرسالة ومثيلاتها، انها على ما يبرز فيها من نزعة شخصية، تنطق بلسان حال البرجوازية الوطنية التي لا تفهم حقوقا للغريب الطارئ على حساب المواطن العريق.
مقابل ذلك، لم تكن الاطراف الصهيونية تضيع وقتها، فقد تقدمت المدعوة بوعا فينكروف بطلب الى البلدية، لتغيير اسم شارع اليازجي ووضع اسم اسرتها بدلا منه، ودعواها في ذلك انها تسكن في حيفا منذ سنوات كثيرة وانها صاحبة ملك في هذه المدينة، وتدفع ضرائب للبلدية والحكومة بقدر كبير، وارخت طلبها هذا بـ 27-6-1943، اي ان لسان حالها هو فرض الامر الواقع، أما اين كانت قبل ان تسكن في حيفا - قبل سنوات كثيرة - فإن هذا لا يهمها ان توضحه، بل تشير بدلا من ذلك الى انها دفعت للبلدية والحكومة قدرا كبيرا من المال.
وتستوقفنا في هذا المجال، مبادرة النادي الارثوذكسي الى المطالبة بإطلاق اسم شارع باسم الشارع ابي العلاء المعري، لمناسبة مرور الف عام على ميلاده، ولم ينجح النادي في تحقيق هذا الطلب العزيز، الا ان اهل حيفا سرعان ما اطلقوا اسم المعري على احد الشوارع المحاذية لشارع العراق.
لكن ماحسم الامر في تسمية الشوارع هو واقع الحال فبعد النكبة وقع تاريخ جديد وحلت اسماء جديدة بدل الاسماء التاريخية لشوارع حيفا، فلا ابو بكر ولا المأمون ولا خالد بن الوليد بل رزئيل واني مأمين وميلر ناحوم، واصبحت ساحة الخمرة - وهو اسم اسرة حيفاوية عريقة- ساحة باريس.
لكن مقاومة اهل حيفا لم تتوقف، واستطاع العناد الوطني ان يطلق بعد 1948 اسماء من نوع ضاهر العمر وغريغوريوس وحجار وسليم جبران على بعض شوارع حيفا، كما نجح اهل حيفا في الابقاء على كثير من الاسماء المحلية الوطنية، فظل الجبل هو الجبل حتى لو شربت الصهيونية واسمها ماء البحر.
يتضمن تاريخ بلدية حيفا، معركة شبه صامتة كانت تدور على اوراق الرسائل، فكثيرا ما كان يقوم بعض الوجهاء والشخصيات العامة بتوجيه رسائل الى البلدية، لتغيير اسم شارع، او اقتراح اسم جديد، وكانت بعض هذه الاقتراحات تحظى بالقبول، فيما يتجاهل المعنيون بالامر بعض الطلبات من ذلك ما يورده المؤلف كواقعة احتجاج من اهالي حي محلة البلان، الواقعة خلف شارع العراق، على اطلاق اسم يهودا هليفي على شارع سكناهم الذي يسكنه فلسطينيون، اغلبيتهم من المسلمين، وقد اقترحوا اسم شارع الامين مراعاة لشعور السكان، ولكون المحلة عربية صرفة وليس فيها اي اجنبي، ويقول د. جوني منصور ان طلب اهل المحلة لم يلق استجابة لا آنذاك ولا اليوم، ويؤكد ان صراعا شديدا وقع حول موضوع تسميات بعض الشوارع او تبديل اسمائها، وان بعض المؤسسات والشخصيات المعروفة في حيفا قد قادت هذا الصراع.
من ذلك رسالة الوجيه الحيفاوي اميل بوتاجي يوم 24-5-1943 الذي خاطب البلدية مطالبا بتغيير اسم شارع دولفين الى اسم بوتاجي، ودعواه في ذلك وقوع املاكه في تلك الجهة ومركز اشغاله - ونظرا لكون عائلتنا من ابناء حيفا والمولودين فيها لم يتوانوا عن خدمة هذا البلد العزيز- وتضيف الرسالة: سبق ان اطلقتم اسماء على شوارع لاشخاص اجانب وقد هبطوا هذه البلاد ولم يؤدوا خدمات لهذا المحيط، ومن دواعي دهشتنا واستنكارنا اننا نراكم اطلقتم اسم دولفين على الشارع المذكور وهو اسم اجنبي يجهله رجل الشارع ويتعذر عليه فهم صلة هذا الرجل مع مدينة عربية.
ومع ان صاحب هذه الرسالة قد وجهها ايضا الى حاكم لواء حيفا مؤرخة بـ 10-6-1943، الا انه لم ينل جوابا شافيا، وهذا طبيعي ما دامت البلدية وحاكم اللواء تابعان لسياسة الانتداب البريطاني، الا ان اللافت في هذه الرسالة ومثيلاتها، انها على ما يبرز فيها من نزعة شخصية، تنطق بلسان حال البرجوازية الوطنية التي لا تفهم حقوقا للغريب الطارئ على حساب المواطن العريق.
مقابل ذلك، لم تكن الاطراف الصهيونية تضيع وقتها، فقد تقدمت المدعوة بوعا فينكروف بطلب الى البلدية، لتغيير اسم شارع اليازجي ووضع اسم اسرتها بدلا منه، ودعواها في ذلك انها تسكن في حيفا منذ سنوات كثيرة وانها صاحبة ملك في هذه المدينة، وتدفع ضرائب للبلدية والحكومة بقدر كبير، وارخت طلبها هذا بـ 27-6-1943، اي ان لسان حالها هو فرض الامر الواقع، أما اين كانت قبل ان تسكن في حيفا - قبل سنوات كثيرة - فإن هذا لا يهمها ان توضحه، بل تشير بدلا من ذلك الى انها دفعت للبلدية والحكومة قدرا كبيرا من المال.
وتستوقفنا في هذا المجال، مبادرة النادي الارثوذكسي الى المطالبة بإطلاق اسم شارع باسم الشارع ابي العلاء المعري، لمناسبة مرور الف عام على ميلاده، ولم ينجح النادي في تحقيق هذا الطلب العزيز، الا ان اهل حيفا سرعان ما اطلقوا اسم المعري على احد الشوارع المحاذية لشارع العراق.
لكن ماحسم الامر في تسمية الشوارع هو واقع الحال فبعد النكبة وقع تاريخ جديد وحلت اسماء جديدة بدل الاسماء التاريخية لشوارع حيفا، فلا ابو بكر ولا المأمون ولا خالد بن الوليد بل رزئيل واني مأمين وميلر ناحوم، واصبحت ساحة الخمرة - وهو اسم اسرة حيفاوية عريقة- ساحة باريس.
لكن مقاومة اهل حيفا لم تتوقف، واستطاع العناد الوطني ان يطلق بعد 1948 اسماء من نوع ضاهر العمر وغريغوريوس وحجار وسليم جبران على بعض شوارع حيفا، كما نجح اهل حيفا في الابقاء على كثير من الاسماء المحلية الوطنية، فظل الجبل هو الجبل حتى لو شربت الصهيونية واسمها ماء البحر.
وثائق وخرائط
يحفل كتاب د. جوني منصور هذا بالوثائق التي تتابع جهاد اهل حيفا لاطلاق ما يريدون من الاسماء على شوارع مدينتهم، فهناك خمس عشرة صورة لوثائق إما انها مكتوبة بخط اليد، او انها مطبوعة بالالة الكاتبة، وبعضها يتضمن ردودا على مطالب صهيونية بإطلاق اسماء صهيونية على بعض الشوارع، كما ان بعض الوثائق تتضمن اجوبة البلدية على بعض الطلبات واذاكانت هذه البلدية تتفهم، في احيان قليلة، عدالة الطلبات الفلسطينية، فإنها غالبا ما كانت تتعنت ولا تراعي حتى المشاعر الروحية المقدسة.
وكمثل على الرد الايجابي، نذكر موافقة البلدية على اطلاق اسم المرحوم عبدالرحمن الحاج على احد شوارع المدينة باعتباره رئيسا سابقا للبلدية.
اما المثال الفاقع الذي يمكن ان نضربه على تعنت البلدية واستخفافها بالمشاعر الروحية، فهو قيام ادارة المجلس البلدي باتخاذ قرار بتغيير اسم شارع المخلص- بتشديد اللام، والمخلص احد اسماء المسيح المعتمدة لدى مختلف كنائس العالم - مع ان الشارع قريب من كنيسة بهذا الاسم، تابعة لطائفة الروم الكاثوليك وقد طالب المطران حكيم بالابقاء على اسم المخلص، في رسالة يعود تاريخها الى 5-2-1953، الا ان البلدية اصرت على تغيير الاسم الى ي ل بيرتس، ومع ذلك فقد ظل اهل حيفا، المسلمون والمسيحيون على حد سواء يطلقون اسم المخلص على الشارع المذكور حتى يوم الناس هذا.
ولا يخفى الهوى السياسي في قرارات البلدية التي حاولت ان تنكث عهدها وتتراجع عن تسمية شارع عبد الرحمن الحاج، واستحق الشارع معركة سجالية خاضها الفنان الحيفاوي عبد عابدي وابن اخته د. ماجد الخمرة، فنجحا ان لم يكن بإبقاء الاسم على الشارع المقصود، فبإطلاقه على مدرسة الجسر في حي الحليصة - الامر الذي يليق به وبذكراه، واحتفل بالمناسبة يوم 7-5-1998 بمشاركة المؤسسات والجمعيات والاحفاد- وكان الفنان عبد عابدي احد هؤلاء الحفدة.
كما يضم الكتاب ثماني خرائط تفصيلية لمعالم من المدينة واحياء وادي الصليب ووادي النسناس والحليصة وعباس ووادي الجمال، وكنت اتمنى ان يتبع د. جوني منصور خرائطه المفيدة هذه ببعض الصور المرفقة بما فيها صور اشخاص واسر من سكان تلك الاحياء، ولعله في طبعة لاحقة يورد، من غير اسراف، بعض الشهادات الشخصية عن بعض التطورات الدراماتيكية التي طرأت على خريطة المدينة، كشهادة الفنان عبد عابدي مثلا، او احضار من يروي قصة الاصرار على ابقاء الاسماء التاريخية في الوجدان الشعبي مثل الجبل والمخلص.
يحفل كتاب د. جوني منصور هذا بالوثائق التي تتابع جهاد اهل حيفا لاطلاق ما يريدون من الاسماء على شوارع مدينتهم، فهناك خمس عشرة صورة لوثائق إما انها مكتوبة بخط اليد، او انها مطبوعة بالالة الكاتبة، وبعضها يتضمن ردودا على مطالب صهيونية بإطلاق اسماء صهيونية على بعض الشوارع، كما ان بعض الوثائق تتضمن اجوبة البلدية على بعض الطلبات واذاكانت هذه البلدية تتفهم، في احيان قليلة، عدالة الطلبات الفلسطينية، فإنها غالبا ما كانت تتعنت ولا تراعي حتى المشاعر الروحية المقدسة.
وكمثل على الرد الايجابي، نذكر موافقة البلدية على اطلاق اسم المرحوم عبدالرحمن الحاج على احد شوارع المدينة باعتباره رئيسا سابقا للبلدية.
اما المثال الفاقع الذي يمكن ان نضربه على تعنت البلدية واستخفافها بالمشاعر الروحية، فهو قيام ادارة المجلس البلدي باتخاذ قرار بتغيير اسم شارع المخلص- بتشديد اللام، والمخلص احد اسماء المسيح المعتمدة لدى مختلف كنائس العالم - مع ان الشارع قريب من كنيسة بهذا الاسم، تابعة لطائفة الروم الكاثوليك وقد طالب المطران حكيم بالابقاء على اسم المخلص، في رسالة يعود تاريخها الى 5-2-1953، الا ان البلدية اصرت على تغيير الاسم الى ي ل بيرتس، ومع ذلك فقد ظل اهل حيفا، المسلمون والمسيحيون على حد سواء يطلقون اسم المخلص على الشارع المذكور حتى يوم الناس هذا.
ولا يخفى الهوى السياسي في قرارات البلدية التي حاولت ان تنكث عهدها وتتراجع عن تسمية شارع عبد الرحمن الحاج، واستحق الشارع معركة سجالية خاضها الفنان الحيفاوي عبد عابدي وابن اخته د. ماجد الخمرة، فنجحا ان لم يكن بإبقاء الاسم على الشارع المقصود، فبإطلاقه على مدرسة الجسر في حي الحليصة - الامر الذي يليق به وبذكراه، واحتفل بالمناسبة يوم 7-5-1998 بمشاركة المؤسسات والجمعيات والاحفاد- وكان الفنان عبد عابدي احد هؤلاء الحفدة.
كما يضم الكتاب ثماني خرائط تفصيلية لمعالم من المدينة واحياء وادي الصليب ووادي النسناس والحليصة وعباس ووادي الجمال، وكنت اتمنى ان يتبع د. جوني منصور خرائطه المفيدة هذه ببعض الصور المرفقة بما فيها صور اشخاص واسر من سكان تلك الاحياء، ولعله في طبعة لاحقة يورد، من غير اسراف، بعض الشهادات الشخصية عن بعض التطورات الدراماتيكية التي طرأت على خريطة المدينة، كشهادة الفنان عبد عابدي مثلا، او احضار من يروي قصة الاصرار على ابقاء الاسماء التاريخية في الوجدان الشعبي مثل الجبل والمخلص.
دليل الشوارع
يتتبع د. جوني منصور شوارع حيفا ويحصيها، فهي واحد وثمانون ومئة شارع، يذكرها جميعا، ويحدد مواقعها، ويذكر التغييرات التي طرأت عليها، وتواريخ هذه التغييرات، وهو يميز بين الشارع والطريق والزقاق والدرج، مثلا: شارع الحريري، يحدد الكاتب وصفته بأنه شارع، ويحدد موقعه حسب التخطيط البلدي الصهيوني الراهن، بأنه بين شارع الوادي 31 وهتسيونوت 27. اما شارع البرج، فصفته انه شارع، وموقعه بين شيفات تسيون 30 وشبيرا 1، والتغيير الذي طرأ عليه انهم غيروا الاسم الى معليه هشحرور بتاريخ 16-4-1951، و بهذا المعنى فإن جدول الشوارع ومواقعها والتغييرات الحاصلة عليها، يعد مرجعا لخريطة المدينة قبل الاحتلال وبعده، اما التسميات الصهيونية فيمكن ان نستدل على الاصول العربية التي كانت قائمة قبلها، وهي موجودة في مكان من الكتاب، ونلاحظ ان الكتاب موجه اصلا الى ابناء الوطن الفلسطينيين المقيمين فيه، وهو ما يعني ان القراء يعرفون التمييز جيدا بين الاسماء الحقيقية والاسماء الدخيلة، وفي يقيني انه لما كانت هناك حاجة معرفية ووطنية لوضع هذا الكتاب امام القارئ العربي والفلسطيني في كل مكان، فإن هذا الجدول الهام يحتاج الى بند يشير الى الاسماء العربية الاصلية، صحيح ان الكتاب لا ينقصه هذا التفصيل، بل انني منه وقعت على المعلومات الجغرافية التاريخية الضرورية، لكن التسميات الصهيونية في ذلك الجدول تحديدا، قد استفزت مشاعري كفلسطيني، مع ان مهمة الكتاب الاولى هي اعادة الصحيح الى مكانه، ولهذا كانت التسميات العربية، في الجدول المذكور تحديدا، ضرورية اجرائيا، حتى لا يتشتت القارئ بين معلومات الجدول وبين الايضاحات اللازمة المبثوثة في كل صفحة من الكتاب، ولكن من الانصاف للمؤلف ان نشير الى انه الحق جدوله هذا الذي استغرق اربعا وعشرين صفحة، بجدول اخر يتضمن اسماء الشوارع العربية التي استبدلت اسماؤها بعد 1948، فهي خمسة واربعون شارعا، بعضها عربي صميم مثل ابي بكر وابي هوام والاخطل والافغاني والفرزدق والمأمون والعراق والجبل والناصرة والمخلص، وبعضها اجنبي مما كانت، ولا تزال، تطلقه بعض المدن على شوارعها لمناسبات مختلفة مثل شارع ستانتون وشارع ستيلا مارس وشارع الملك جورج الخامس وشارع الفرير، الا ان اهل المدينة احرار بالاسماء التي يختارونها لشوارعهم، وهي اسماء تعز عليهم بعد ان الفوها تاريخيا، لكنهم يرفضون، وقد رفضوا بعناد مشهود، تلك الاسماء الطارئة الصهيونية نظرا لعدم تجانسا مع البيئة العربية ولما ترمز اليه من اغتصاب واحتلال.
ومن الطريف ان اسماء هذه الشوارع قد توزعت على اربعة وعشرين حرفا من حروف الهجاء العربية، اما الحروف دال وذال وهاء وظاء، فإنك واجدها في جوهر الكلام العربي المبين الذي لم يتنازل عنه الفلسطينيون المنزرعون في منازلهم، حتى لتشعر وانت بينهم، انهم بعد ستين سنة من التغييب، يعطونك انطباعا وكأنك في القاهرة او دمشق او الرباط او طرابلس.
يتتبع د. جوني منصور شوارع حيفا ويحصيها، فهي واحد وثمانون ومئة شارع، يذكرها جميعا، ويحدد مواقعها، ويذكر التغييرات التي طرأت عليها، وتواريخ هذه التغييرات، وهو يميز بين الشارع والطريق والزقاق والدرج، مثلا: شارع الحريري، يحدد الكاتب وصفته بأنه شارع، ويحدد موقعه حسب التخطيط البلدي الصهيوني الراهن، بأنه بين شارع الوادي 31 وهتسيونوت 27. اما شارع البرج، فصفته انه شارع، وموقعه بين شيفات تسيون 30 وشبيرا 1، والتغيير الذي طرأ عليه انهم غيروا الاسم الى معليه هشحرور بتاريخ 16-4-1951، و بهذا المعنى فإن جدول الشوارع ومواقعها والتغييرات الحاصلة عليها، يعد مرجعا لخريطة المدينة قبل الاحتلال وبعده، اما التسميات الصهيونية فيمكن ان نستدل على الاصول العربية التي كانت قائمة قبلها، وهي موجودة في مكان من الكتاب، ونلاحظ ان الكتاب موجه اصلا الى ابناء الوطن الفلسطينيين المقيمين فيه، وهو ما يعني ان القراء يعرفون التمييز جيدا بين الاسماء الحقيقية والاسماء الدخيلة، وفي يقيني انه لما كانت هناك حاجة معرفية ووطنية لوضع هذا الكتاب امام القارئ العربي والفلسطيني في كل مكان، فإن هذا الجدول الهام يحتاج الى بند يشير الى الاسماء العربية الاصلية، صحيح ان الكتاب لا ينقصه هذا التفصيل، بل انني منه وقعت على المعلومات الجغرافية التاريخية الضرورية، لكن التسميات الصهيونية في ذلك الجدول تحديدا، قد استفزت مشاعري كفلسطيني، مع ان مهمة الكتاب الاولى هي اعادة الصحيح الى مكانه، ولهذا كانت التسميات العربية، في الجدول المذكور تحديدا، ضرورية اجرائيا، حتى لا يتشتت القارئ بين معلومات الجدول وبين الايضاحات اللازمة المبثوثة في كل صفحة من الكتاب، ولكن من الانصاف للمؤلف ان نشير الى انه الحق جدوله هذا الذي استغرق اربعا وعشرين صفحة، بجدول اخر يتضمن اسماء الشوارع العربية التي استبدلت اسماؤها بعد 1948، فهي خمسة واربعون شارعا، بعضها عربي صميم مثل ابي بكر وابي هوام والاخطل والافغاني والفرزدق والمأمون والعراق والجبل والناصرة والمخلص، وبعضها اجنبي مما كانت، ولا تزال، تطلقه بعض المدن على شوارعها لمناسبات مختلفة مثل شارع ستانتون وشارع ستيلا مارس وشارع الملك جورج الخامس وشارع الفرير، الا ان اهل المدينة احرار بالاسماء التي يختارونها لشوارعهم، وهي اسماء تعز عليهم بعد ان الفوها تاريخيا، لكنهم يرفضون، وقد رفضوا بعناد مشهود، تلك الاسماء الطارئة الصهيونية نظرا لعدم تجانسا مع البيئة العربية ولما ترمز اليه من اغتصاب واحتلال.
ومن الطريف ان اسماء هذه الشوارع قد توزعت على اربعة وعشرين حرفا من حروف الهجاء العربية، اما الحروف دال وذال وهاء وظاء، فإنك واجدها في جوهر الكلام العربي المبين الذي لم يتنازل عنه الفلسطينيون المنزرعون في منازلهم، حتى لتشعر وانت بينهم، انهم بعد ستين سنة من التغييب، يعطونك انطباعا وكأنك في القاهرة او دمشق او الرباط او طرابلس.
المناطق والموضوعات
تميزت جغرافية غزة بطباق طبيعي بين الارتفاع والمنحدر، فالمعالم الاساس فيها جبل واربعة اودية، اما الجبل فهو الكرمل الشهير والشارع المنحدر منه هو المسمى بالجبل، واما الاودية فهي الصليب والنسناس وروشميه والجمال، الا ان هذه التسميات لا تعطي فكرة كافية عن تضاريس حيفا، فهناك اودية لم تحظ بالشهرة التي تميزت بها الاودية الاربعة، ويستطيع قارئ كتاب د. جوني منصور ان يعد اودية في حيفا باسماء الرميم والريشة وابي ريش وعبد الله وعمر والك وكفر سمير وحجر الكلب والتتار وابي مدور والشيخ وشمبور والوردية والتينة وسليمان والعليق والسعادة، ومن هذه الاودية ما هو طويل نسبيا مثل وادي عبد الله الذي يبلغ طوله مئتين واربعة الاف متر، اي انه اطول من وادي روشمية الشهير الذي يبلغ طوله ثمانمئة وثلاثة الاف متر.
ولحيفا سبعة تلال، هي على التوالي: تل العدس، ابو مدور، ابو الهوام، تلة الوردية، تل السمك ، تلة ام العليق، تل العمل.
ولها ثلاث بوابات: الشرقية وبوابة عكا، وبوابة يافا.
وتشتهر بساحاتها الثلاث: ساحة الحناطير وساحة الخمرة وساحة الجرينة.
وطبيعي ان تحفل مدينة مثل حيفا بأسواق مثل سوق الشوام وسوق الابيض وسوق الخضار.
وامام هذا الثراء الجغرافي، تتخذ المدينة اسماء لمناطقها واحيائها مستمدة من طبيعتها الجغرافية المركبة، فهناك البلد التحتا، والهادار الاعلى، ومحطة الكرمل، فضلا عن اسماء الوديان التي ليست هي الا اسماء مناطق او احياء سكنية.
واحتكم الحيفاويون كذلك، في تسمية شوارعهم وأحيائهم الى التصنيف حسب المعاني والموضوعات فثمة مجموعة شوارع باسماء رجال الفكر والادباء والشعراء والعلماء الفلاسفة، مثل الزمخشري وابن المقفع وابن سينا والمتنبي والفارابي وياقوت- الحموي- وعمر الخيام والأخطل وحاتم الطائي وابن الأثير وغيرهم. ونلاحظ سعة الافق لدى هؤلاء القوم باطلاق اسم السموال على احد الشوارع، وهو العربي جنسية اليهودي ديانة، فقد اختير في المقام الاول بسبب ارتباط اسمه بالوفاء العربي. وثمة مجموعة ثانية من اسماء الشوارع مستوحاة من رجال الدين والسياسة والمجتمع، عربا وغير عرب، مثل شارع الملك جورج، والافغاني، وعمر المختار وضاهر العمر والحجاج وعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد ومار الياس وغيرهم واذا فوجئنا باسم الجنرال ألنبي وقد أطلق على شارع في حيفا فإن ذلك عائد الى خليط من ثقافة سائدة مشوشة ومن تأثير الانتداب البريطاني. وثمة مجموعة شوارع باسماء اسر كانت متنفذة او معروفة في حينها مثل امية والخطيب والخياط ومنصور وصهيون والابيض والبوتاجي. كذلك هناك اسماء شوارع باسماء مواقع تاريخية وجغرافية مثل العقبة والعريش وصيدا ويافا والموصل والبستان والبساتين وحمام الباشا وغزة والربوة. وهناك اسماء شوارع لم يؤطرها المؤلف بموضوعات مع ان بعضها مرتبط بالاماكن مثل شارع المرفأ وشارع المطاحن وشارع الشاطئ وشارع البنوك، او بدلالات دينية مثل شارع الكنيسة وشارع الموارنة وشارع الراهبات وشارع الفرير.
كلام الشوارع
تتكلم الشوارع في حيفا، فتنطق من خلال اسمائها بمعان وتواريخ واشارات جغرافية، وقد بذل د. جوني منصور جهدا استثنائيا في متابعة كل اسم ورده الى معناه او تاريخه فكأنك لا تقف أمام قائمة باسماء شوارع المدينة، بل امام فصل من اسكلوبيديا تاريخية، وهو ما احتاج الى سبعين صفحة من اصل ستين ومئة صفحة من القطع الكبير، هي حجم هذا الكتاب. وهو لم يقتصر على اسماء الشوارع والاحياء بل تابع المحال والاراضي ذات الحيثيات في بنية حيفا.
وسأعطي مثلا باسم اول شارع تناوله المؤلف بالشرح والتعريف، هو شارع ابن الاثير الذي قدمه على النحو التالي: ابن الاثير >1254- 1299م< هو اسماعيل بن احمد بن سعيد، عماد الدين بن تاج الدين بن الأثير، كاتب وأديب حلبي الاصل، استخدم ككاتب في مصر. قتل في حمص له خطب مدونة وكتاب عبرة اولي الأبصار في ملوك الامصار.
وكما هو ملاحظ، انه تعريف واف شاف، وقد أفدت منه شخصيا بمعرفة ان مدينة حمص السورية، التي عشت فيها طفولتي وشبابي قد شهدت وفاة هذا المؤرخ الكبير الذي مات مقتولا.
وبلغ التدقيق بالمؤلف انه وقف حائرا امام شارع ابي بكر، فلم يحسم هل ان الشارع يحمل اسم الخليفة الاول ام اسم الطبيب أبي بكر الرازي. وحمل المؤلف نفسه مهمة التعريف بهاتين الشخصيتين التاريخيتين، فأفرد فقرة للتعريف بالخليفة الصديق، ومثلها للتعريف بالطبيب المشهور.
اما بخصوص الشوارع المسماة باسماء أسر، فقد اهتم بالتعريف بالأسر التي حظيت بهذا الامتياز. وهو ما فعله كذلك مع اسماء المدن، مثل اربد، او الدول، مثل الاردن والعراق.
ويكتفي المؤلف من اسم المارشال ادموند ألنبي بتاريخ المولد والوفاة، وأنه احتل فلسطين من العثمانيين بين عامي 1917 و1918 وعين مندوبا ساميا على مصر ونلاحظ انه لم يقل حسب الرواية البريطانية انه كان على رأس الجيش البريطاني الذي حرر فلسطين، بل أورد الحقيقة التاريخية: انه احتل فلسطين. وفي محاولة لفهم اطلاق اسمه على الشارع، يقول المؤلف ان امرأة ألنبي كانت قد امتلكت حديقة على جبل الكرمل واقيمت عليها بناية شاهقة للسكن، وان المؤلف انما ادرج اسم النبي ضمن الشوارع العربية، مع ان الاسم أعجمي، لوقوعه في المنطقة العربية، وكان يعرف باسم حي الزيتون لكثرة الزيتون في ذلك الحي.
ولعل في ذلك التفسير الوافي ما يعطي فكرة عن منهج د. جوني منصور في التعريف بشوارع حيفا، اذ ان ما قام به، مشكورا جدا، قد تجاوز التعريف الى التأصيل.
ان أبناء المدن ذات التاريخ الطبيعي، يستطيعون ان يستدلوا على تواريخ مدنهم واحيائهم وشوارعهم ومحالهم وتضاريسهم الجغرافية، بالمعرفة العينية وزيارة المواقع. اما في حالة استثنائية كما هو الأمر في وضع حيفا، فقد كانت الحاجة ضرورية الى مثل كتاب د. جوني منصور الذي خرج أشبه بأطلس مصغر لمدينة تشكل علامة على شاطئ المتوسط.
ان قراءة هذا الكتاب اشبه بقراءة نص درامي أبطاله الأماكن وزمانه أيام التاريخ الفاجع، ولكن مكر التاريخ هو صاحب الكلمة الفصل فيه.
تميزت جغرافية غزة بطباق طبيعي بين الارتفاع والمنحدر، فالمعالم الاساس فيها جبل واربعة اودية، اما الجبل فهو الكرمل الشهير والشارع المنحدر منه هو المسمى بالجبل، واما الاودية فهي الصليب والنسناس وروشميه والجمال، الا ان هذه التسميات لا تعطي فكرة كافية عن تضاريس حيفا، فهناك اودية لم تحظ بالشهرة التي تميزت بها الاودية الاربعة، ويستطيع قارئ كتاب د. جوني منصور ان يعد اودية في حيفا باسماء الرميم والريشة وابي ريش وعبد الله وعمر والك وكفر سمير وحجر الكلب والتتار وابي مدور والشيخ وشمبور والوردية والتينة وسليمان والعليق والسعادة، ومن هذه الاودية ما هو طويل نسبيا مثل وادي عبد الله الذي يبلغ طوله مئتين واربعة الاف متر، اي انه اطول من وادي روشمية الشهير الذي يبلغ طوله ثمانمئة وثلاثة الاف متر.
ولحيفا سبعة تلال، هي على التوالي: تل العدس، ابو مدور، ابو الهوام، تلة الوردية، تل السمك ، تلة ام العليق، تل العمل.
ولها ثلاث بوابات: الشرقية وبوابة عكا، وبوابة يافا.
وتشتهر بساحاتها الثلاث: ساحة الحناطير وساحة الخمرة وساحة الجرينة.
وطبيعي ان تحفل مدينة مثل حيفا بأسواق مثل سوق الشوام وسوق الابيض وسوق الخضار.
وامام هذا الثراء الجغرافي، تتخذ المدينة اسماء لمناطقها واحيائها مستمدة من طبيعتها الجغرافية المركبة، فهناك البلد التحتا، والهادار الاعلى، ومحطة الكرمل، فضلا عن اسماء الوديان التي ليست هي الا اسماء مناطق او احياء سكنية.
واحتكم الحيفاويون كذلك، في تسمية شوارعهم وأحيائهم الى التصنيف حسب المعاني والموضوعات فثمة مجموعة شوارع باسماء رجال الفكر والادباء والشعراء والعلماء الفلاسفة، مثل الزمخشري وابن المقفع وابن سينا والمتنبي والفارابي وياقوت- الحموي- وعمر الخيام والأخطل وحاتم الطائي وابن الأثير وغيرهم. ونلاحظ سعة الافق لدى هؤلاء القوم باطلاق اسم السموال على احد الشوارع، وهو العربي جنسية اليهودي ديانة، فقد اختير في المقام الاول بسبب ارتباط اسمه بالوفاء العربي. وثمة مجموعة ثانية من اسماء الشوارع مستوحاة من رجال الدين والسياسة والمجتمع، عربا وغير عرب، مثل شارع الملك جورج، والافغاني، وعمر المختار وضاهر العمر والحجاج وعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد ومار الياس وغيرهم واذا فوجئنا باسم الجنرال ألنبي وقد أطلق على شارع في حيفا فإن ذلك عائد الى خليط من ثقافة سائدة مشوشة ومن تأثير الانتداب البريطاني. وثمة مجموعة شوارع باسماء اسر كانت متنفذة او معروفة في حينها مثل امية والخطيب والخياط ومنصور وصهيون والابيض والبوتاجي. كذلك هناك اسماء شوارع باسماء مواقع تاريخية وجغرافية مثل العقبة والعريش وصيدا ويافا والموصل والبستان والبساتين وحمام الباشا وغزة والربوة. وهناك اسماء شوارع لم يؤطرها المؤلف بموضوعات مع ان بعضها مرتبط بالاماكن مثل شارع المرفأ وشارع المطاحن وشارع الشاطئ وشارع البنوك، او بدلالات دينية مثل شارع الكنيسة وشارع الموارنة وشارع الراهبات وشارع الفرير.
كلام الشوارع
تتكلم الشوارع في حيفا، فتنطق من خلال اسمائها بمعان وتواريخ واشارات جغرافية، وقد بذل د. جوني منصور جهدا استثنائيا في متابعة كل اسم ورده الى معناه او تاريخه فكأنك لا تقف أمام قائمة باسماء شوارع المدينة، بل امام فصل من اسكلوبيديا تاريخية، وهو ما احتاج الى سبعين صفحة من اصل ستين ومئة صفحة من القطع الكبير، هي حجم هذا الكتاب. وهو لم يقتصر على اسماء الشوارع والاحياء بل تابع المحال والاراضي ذات الحيثيات في بنية حيفا.
وسأعطي مثلا باسم اول شارع تناوله المؤلف بالشرح والتعريف، هو شارع ابن الاثير الذي قدمه على النحو التالي: ابن الاثير >1254- 1299م< هو اسماعيل بن احمد بن سعيد، عماد الدين بن تاج الدين بن الأثير، كاتب وأديب حلبي الاصل، استخدم ككاتب في مصر. قتل في حمص له خطب مدونة وكتاب عبرة اولي الأبصار في ملوك الامصار.
وكما هو ملاحظ، انه تعريف واف شاف، وقد أفدت منه شخصيا بمعرفة ان مدينة حمص السورية، التي عشت فيها طفولتي وشبابي قد شهدت وفاة هذا المؤرخ الكبير الذي مات مقتولا.
وبلغ التدقيق بالمؤلف انه وقف حائرا امام شارع ابي بكر، فلم يحسم هل ان الشارع يحمل اسم الخليفة الاول ام اسم الطبيب أبي بكر الرازي. وحمل المؤلف نفسه مهمة التعريف بهاتين الشخصيتين التاريخيتين، فأفرد فقرة للتعريف بالخليفة الصديق، ومثلها للتعريف بالطبيب المشهور.
اما بخصوص الشوارع المسماة باسماء أسر، فقد اهتم بالتعريف بالأسر التي حظيت بهذا الامتياز. وهو ما فعله كذلك مع اسماء المدن، مثل اربد، او الدول، مثل الاردن والعراق.
ويكتفي المؤلف من اسم المارشال ادموند ألنبي بتاريخ المولد والوفاة، وأنه احتل فلسطين من العثمانيين بين عامي 1917 و1918 وعين مندوبا ساميا على مصر ونلاحظ انه لم يقل حسب الرواية البريطانية انه كان على رأس الجيش البريطاني الذي حرر فلسطين، بل أورد الحقيقة التاريخية: انه احتل فلسطين. وفي محاولة لفهم اطلاق اسمه على الشارع، يقول المؤلف ان امرأة ألنبي كانت قد امتلكت حديقة على جبل الكرمل واقيمت عليها بناية شاهقة للسكن، وان المؤلف انما ادرج اسم النبي ضمن الشوارع العربية، مع ان الاسم أعجمي، لوقوعه في المنطقة العربية، وكان يعرف باسم حي الزيتون لكثرة الزيتون في ذلك الحي.
ولعل في ذلك التفسير الوافي ما يعطي فكرة عن منهج د. جوني منصور في التعريف بشوارع حيفا، اذ ان ما قام به، مشكورا جدا، قد تجاوز التعريف الى التأصيل.
ان أبناء المدن ذات التاريخ الطبيعي، يستطيعون ان يستدلوا على تواريخ مدنهم واحيائهم وشوارعهم ومحالهم وتضاريسهم الجغرافية، بالمعرفة العينية وزيارة المواقع. اما في حالة استثنائية كما هو الأمر في وضع حيفا، فقد كانت الحاجة ضرورية الى مثل كتاب د. جوني منصور الذي خرج أشبه بأطلس مصغر لمدينة تشكل علامة على شاطئ المتوسط.
ان قراءة هذا الكتاب اشبه بقراءة نص درامي أبطاله الأماكن وزمانه أيام التاريخ الفاجع، ولكن مكر التاريخ هو صاحب الكلمة الفصل فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق