الثلاثاء، 18 يونيو 2013


يؤلمني

   بقلم: جوني منصور

 

أسير في شوارع مدينتي حيفا، وايضًا في شوارع وطرقات بلداتنا العربية في الجليل والمثلث والنقب وأعتز بها كلها لكونها تحمل حضارتي بالرغم من كل مواقفي الشخصية من أمور سلبية تجري على أرض الواقع. ولكن في مقالتي هذه لن أخوض في هذا الجانب بل أتركه إلى مرات قادمة. وخلال سيري شبه اليومي، أرى ظواهر غريبة وعجيبة تؤلمني في حالات كثيرة، بل اقول تبكيني وتجعلني ألعن الساعة التي حزمت فيها أمري على السير في هذه الشوارع والطرقات. ولن أطيل الكلام، بل سألج الموضوع حالاً، وهو أن ما يؤلمني كثيرًا اختفاء اللغة العربية عن يافطات المحلات التجارية في شوارعنا العربية. اينما تسير وتنظر أمامك أفقيًا وعاموديًا تجد يافطات جميلة التصميم، وتكلفتها باهظة بدون ادنى شك، فأبحث في جوانبها عن حرف بالعربية فلا أجده، فأسأل نفسي هل أنا في تل ابيب أو نتانيا أو رامات غان؟ اليافطة في حي عربي، وزبائن المحل في معظمهم عرب، فلماذا اليافطة بلغة غير عربية؟ ثم لنفرض جدلاً أن صاحب المحل مُصر على أن تكون اليافطة بالعبرية، فلماذا لا يضيف عليها كلمات بالعربية؟ إن الإدعاء السخيف الذي اسمعه دومًا من أصحاب المحلات أن زبائننا يهود. ما شاء الله!! وهل لهذا الإدعاء تأثير على هرب صاحب المحل من لغته العربية ليثبت لزبائنه اليهود أنه لا يتعامل مع "لغة العدو"... هذا لا يؤلمني فحسب، بل يحزنني ويستفزني كثيرًا.

ومن هنا بات مشهد اليافطات في شوارعنا العربية مسألة تثير القلق وتثير الغضب. تثير القلق لتراجع اللغة العربية وهي لغتنا وثقافتنا وحضارتنا عن وجودها في المشهد الحياتي العربي، وثانيا عن تراجع وجودها في الحيز العام وهذا ما يجب أن يكون طبيعيا. وتثير الغضب لأنها آخذة بالاتساع والانتشار، وتفشي ظاهرة جلد الذاتوالتنكر للغة العربية "لغتنا الغالية والحبيبة" من منطلق "يا أخي ما هي مش لغة بتمشي أمورنا اليومية.... وبعدين كل الدولة بتحكي بالعبري.... وما في اهمية للعربية عير إنو منحكي فيها.... وعلى شو قاتل حالك...."، وغيرها من إدعاءات تشير إلى إصدار الحكم على الذات بنفس الذات. ويغضبني أنه ما من طرف يملك الجرأة ليضع لها حدًّا.

أنا شخصيًا لست ضد اي لغة على الإطلاق، ولكن صاحب محل تجاري في منطقة عربية أو صاحب محل في منطقة عربية – يهودية مختلطة يخجل من تثبيت يافطة بلغته... هذا عيب.

من هنا، أعتقد أن الأمر يحتاج إلى توعية عميقة بالنسبة لأهمية اللغة العربية في حضورنا ووجودنا وبقاءنا، وأكثر من ذلك نفرض على الآخر احترامه لنا وللغتنا وحضارتنا، إذ سيعرف أننا لسنا من السائرين في درب التبعية والإنجرار وراء تصورات نحن نبنيها بأنفسنا لإنفسنا. ومن هنا سيحترم الآخر كياننا وشخصيتنا وحضورنا في الحيز العام المشترك او الأحادي.

وتساءلت كثيرًا أثناء تجوالي في عدد من قرى المثلث وعلى مدى سنوات طوال: ما الذي يدفع صاحب محل لتثبيت يافطة في نهاية آخر حي من أحياء أم الفحم باللغة العبرية فقط، ولن يصل إليه اي زبون يهودي؟ قد اطرح جوابًا ولكنه ليس ملزمًا: تكونت لدى الأقلية حالة من الخوف من المتسلط(السلطة الحاكمة) ومراضاة للآخر وتصويرًا له أنه بدخوله المحل التجاري لن يكون غريبًا عليه، فإن لغته حاضرة كحضوره. ولكن لغة صاحب المحل غائبة عن المكان.

من هنا، ومن هذا الموقف الذي يؤلمني كثيرًا، ادعو جميع أصحاب المحلات التجارية في حيفا وسواها من المدن والبلدات العربية للعودة إلى الذات، فالعودة إلى الذات تعني الحضور الفعلي والتاريخي والحضاري والتراثي والإنساني. فلغتي هويتي، وحضورها حضوري، وغيابها غيابي.

 

 

   

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق