كفى للعنف... دعونا
ننظر إلى المستقبل
جوني منصور
يتناقش مجتمعنا في الداخل يوميًا في قضية العنف المستشري بل المتفشي في
كافة أنحاء الوطن. فلا يمر يومًا إلا ونسمع عن جريمة قتل في هذه القرية أو تلك
البلدة أو المدينة، أو نسمع عن مظاهر اعتداءات على أطباء ومعلمين وجيران ورواد
مطاعم وزوار في قرية ما إلخ من العنف الخطير. ويحلو لشريحة واسعة من مجتمعنا توجيه
أصابع الاتهام إلى الشرطة وعناصرها، واتهامهم جميعا بالتقصير والتلكؤ والإهمال،
وأنا لا أتجاهل هذا الجانب مطلقًا بأن على الشرطة مسئولية كبيرة، ولكن علينا أن
نكون واقعيين أكثر وأكثر ونسأل أنفسنا عن العوامل والأسباب التي أدت وتؤدي إلى
تفاقم ظاهرة العنف. والأبرز في هذا السياق الحديث عن تشخيص أساسي للحالة ومن ثم
الخوض في طرق وآليات معالجتها.
لا شك أن هناك عدة عوامل مركبة ومعقدة تؤدي إلى العنف، وبنظري الأهم من
بينها غياب ثقافة القيادة داخل المجتمع والشرخ الكبير الذي حصل بين الأجيال
القيادية وبين الأجيال الشابة والصاعدة التي أخذت على عاتقها ومسئوليتها التصرف
داخل القرية أو الحارة بدون ضوابط، وبصورة تظاهرية لإظهار قوة وموقع نفوذ ونوع من
البطش. أضف إلى ذلك انه في غياب ثقافة القيادة المجتمعية تختفي أسس التأثير من قبل
الكبار وذوي المكانة الاجتماعية على الأصغر. وبات الأمر أن تركت الساحة للفوضى والسلاح
والقوة والعنف، وأصبح العنف سيد الموقف في كل حالة توتر أو خلاف أو حتى نقاش بسيط
وضيق. ولم يعد بإمكان أبناء حارة ما أو حتى قرية بكاملها الخروج من منازلهم ليلا
لزيارة جيران أو أقارب. وباتت أفراحنا متميزة بإطلاق النار بكثافة مما يقض مضاجعنا
مستقبلا، وهذا من علامات تفشي انتشار السلاح بين الناس، والأسئلة والتساؤلات: لماذا وكيف ومن ولمن وإلى أين؟
التشخيص للظاهرة لا يحتاج إلى فذلكات وحذلقات وطرح نظريات. ما نحن غارقون
فيه الآن هو أجواء من الرعب والخوف والقلق على مستقبلنا ومستقبل أولادنا في ظل
تفشي مظاهر العنف.
وبناء عليه، أرى أنه من الضروري استنفار القيادات السياسية والدينية والاجتماعية
والتربوية في مختلف مناطق الوطن، ودون حساسيات سياسية أو اجتماعية ودراسة ما يجب أن
يُتخذ من قرارات وخطوات للحد من هذه الظاهرة، بعيدًا عن أي اتهامات. أصبحنا في
حالة حرجة ومخيفة للغاية، تتطلب تضافر الجهود للخروج من المآزق التي أوقعنا فيها.
العنف يفتت مجتمعنا ويقضي على قدراته الصمودية التي هي اليوم، وحصريا في هذه الأيام،
من ضروريات وجودنا ونضالنا للحفاظ على وجودنا والتمسك به.
وعلينا أن ننظر بعيدًا إلى المستقبل الذي نرجوه لأبنائنا، ففي ظل المتغيرات
السياسية والاقتصادية التي تضرب منطقتنا ووطننا من الضروري أخذ كافة هذه الجوانب
بعين الاعتبار ووضعها في سياقها الطبيعي وحجمها الحقيقي.
العنف الحاصل في الشارع الفلسطيني في الداخل هو جزء لا يتجزأ من منظومة تفتيت
المجتمع العربي الأكبر على امتداد انتشاره من المحيط إلى الخليج. إن عملية التفتيت
هذه تحمل في طياتها هدفًا واحدًا وهو إخضاع المجتمع العربي إلى حالة الفوضى ومن ثم
فرض سياسات عُليا عليه، وفي مقدمتها الاستعباد السياسي والأخلاقي والاقتصادي. إن
السياسات العليا التي تُخطط وتنفذ حاليًا في ساحة المنطقة لا تُخرجنا خارج
دائرتها، فنحن في المحصلة الأخيرة لب وجوهر الصراع، وبناء عليه، خلق أجواء من
الفوضى المجتمعية والتفتيت والتفكيك هي أساس السيطرة والهيمنة على توجهاتنا
التحررية الداعية إلى العدالة السياسية والاجتماعية والانسانية. وبطبيعة الحال هذه
التوجهات لا تنسجم مع أسس المشروع الغربي الامريكي في بسط السيطرة على مقدرات
الشرق الأوسط من ثروات طبيعية وبشرية. وبناء عليه، زرع ونشر الفوضى من أهم عوامل
التفكيك وخلق الصراعات والكراهية بين أفراد المجتمع الواحد. فالمجتمع العربي الفلسطيني
عرف تاريخيًا بتماسكه وترابطه لأن قضايا أساسية
توجه مستقبله، أمّا مع انتشار الفوضى وتفشي ظاهرة العنف فإن شروطًا خارجية وقاسية
ستفرض عليه، ولن يكون بإمكانه التهرب منها أو الابتعاد عنها.
معالجة العنف من أهم الأسس لإعادة بناء مجتمع متماسك وقوي وثابت بقدرته
مواجهة تحديات الساعة الرابضة عند أبواب بيوتنا.
إن دعوتنا إلى العمل تندرج مع آلاف الأصوات اليومية التي تدعو إلى إعادة
منظومة المجتمع الخيّر والمتماسك، فهذا سلاح وجودنا وبقاءنا على أرض وطننا حماية
لكياننا وصونًا لحضارتنا الأصلية في هذا الوطن. حقيقة إن ظاهرة العنف هي قضية
وطنية من الدرجة الأولى، ويجب عدم التهرب منها، أو توجيه أصابع الاتهام نحو هذا
الطرف أو ذاك، فنحن على علم اليقين أن المؤسسة الرسمية لن تعمل جادة لقطع دابرها،
ما دام العنف يخدم مصالحها. لنجعل غايتنا الآنية صرخة مدوية يسمعها كل مجتمعنا، أننا
سنعمل بكل قوة لوقف العنف والبدء بالبناء الاجتماعي والثقافي من جديد، فنحن شعب
يحب الحياة ويرفض الموت.
10 كانون أول، 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق